معك فعرفني، فطاف وعاد إلي وقال لي: تبقى كذا خمس عشرة سنة، ثم يسقط منها موضع، ثم تقيم إلى تمام أربعين سنة ويسقط جميعها، فانصرفت إلى الإخشيد وعرفته، فتركها ولم يعمرها. وكان أمرها كما قال ابن البواش المهندس، فعمرت سنة ست وستين قبل تمام أربعين سنة ولو تركت سقطت.
وكان محمد بن تكين قد أكرمه الإخشيد وكان يؤاكله، وولاه طبرية، فلما ورد محمد بن رائق إلى الشام صار معه، فلما كانت وقعة العريش وانهزم محمد ابن رائق استأمن محمد بن تكين للإخشيد فلم يؤاخذه ولم يزل يكرمه.
وكان بمصر أبو القاسم سعيد المعروف بقاضي البقر، وكان من شعراء أبي الجيش ابن طولون، وكان في آخر عشر التسعين، وكان يبيت عند الإخشيد يحادثه ويسامره وكان مليح الحديث. وكان يصف أخلاق الإخشيد وإمساكه، ومما تحدث عنه أنه قال: قدم بين يديه في الليل طبق فاكهة، فتناولت باقلاءة فقبلتها ووضعتها في جيبي وقلت له: جعل الله عمر الإخشيد فوق كل عمر أغناني وأنسى الناس تكرم البرامكة، قال: فتبسم وعلم أني قد هزلت عليه. فتأخرت عنه يوماً فقال لي: لك يومان لم أرك فيهما، فقلت: كان حماري غامزاً، فقال: ما كنت تكتري حماراً بقيراطين من دار الحرم؟! وقال لي ليلة: أيش أكلت اليوم؟ فقلت: شواء من السوق فقال: إياك شواء دار فرح فإنه يباع نياً وأزيدك فأحذره، إنهم يقطعون الماعز ويجعلونه في جوفه.
قال سعيد: واعتللت مرة وكان الشتاء شديداً، ثم وجدت خفاً فركبت إليه عشاءً وعلي قميص وجبتان وعمامة وسراويل وخفتان، فلما دخلت عليه رحب بي وقال: صح الجسم؟ قد كنت أرسل أفتقدك، فقلت: قد كان رسل سيدي الإخشيد يجوني. فقال: حدثني بحديث صغير، فقلت: أيد الله الإخشيد ما في نفس، فقال: صغير بطول الإصبع، فقلت: نعم أيها الإخشيد، بلغني أنه كان باليمن ملك يقال له ذو الكلاع، وكان الناس يسجدون له، فحكي عن رجل أنه قال: دخلت اليمن فرأيت الناس سجوداً فقلت: ما الخبر؟ قالوا: الملك ذو الكلاع أخرج اليوم يده فسجد له ثمانون ألف جنين ومن الله عليهم بالإسلام، ولم يلق