في المنام كأني سلمت إلى غلام من غلماني الكبار شيئاً فلم يقم به، ثم نقلته إلى غيره فلم يقم به حتى سلمته إلى جماعة منهم، ثم سلمته إلى كافور، وانتبهت وهو في يده، فقلت له: هذا الملك يعود إلى كافور ويقوم به، فضحك وعجب. فلما نهضت أخذ بيدي غلام، فلما خرجت قال لي الغلام: رأيت مولاي يخاطبك، وينظر إلي ويضحك، فقلت له: من أنت؟ فقال: أنا كافور، فقلت له: أبقى الله عزك، إن هذا الملك ستملكه واذكرني، قال: وهذا المقام كان سبب وصوله إلى ما وصل إليه ووصية الإخشيد له.
وكان الإخشيد إذا توفي قائد من قواده أو كاتب، تعرض ورثته وأخذ منهم وصادرهم وكذلك كان يفعل مع التجار المياسير. وقال أبو بكر بن محمد بن عليّ الماذرائي: أخذ مني الإخشيد مالاً عيناً وضياعاً وعروضاً ما مبلغه ثلاثة وثلاثون إردباً دنانير. (وعدد صاحب الكتاب جماعة كثيرة صادرهم وأخذ منهم أموالاً عظيمة) . قال: واستخرج من مصر في إحدى عشرة سنة اثنين وعشرين ألف [ألف] دينار، لأنه كان يعقد الخراج بمصر ألفي ألف دينار في كل سنة خراجاً، سوى خراج الرملة وطبرية ودمشق والسواحل، وسوى ضياعه التي كانت ملكاً له.
وكان الإخشيد يقول: المصادرة مشؤومة وأنا مضطر إليها، وما أنفقتها قط إلا في سفر إلى عدو. وكانت أيام الإخشيد إحدى عشرة سنة، سافر فيها خمس سفرات إلى أعداء يقاتلهم فالأولى حين بلغه مسير محمد بن رائق فتجهز إلى الفرما واصطلحا، والثانية لما نقض ابن رائق الصلح والموافقة، فسار إليه والتقيا بالعريش وآل الأمر إلى أن هزم الإخشيد وكان الظفر له، والثالثة لما بلغ الإخشيد قتل محمد ابن رائق سار إلى دمشق في عديده وتمكن وقرر، ثم عاد إلى مصر، والرابعة حين ورد عليه كتاب المتقي بالمسير إليه، والخامسة لما سار إليه سيف الدولة ابن حمدان فسار إليه واقتتلا بفنسرين، واستظهر الإخشيد ثم اصطلحا وتصاهرا وتقاربا، وعاد الإخشيد إلى دمشق فأقام بها سنة واحدة وتوفي.
وكان الغالب على الإخشيد رقة الوجه والحياء، وكان إذا صادر أحداً لم يعذبه ولم يضربه ولم يضيق عليه ولم يره حتى تنقضي المصادرة، ثم يؤانسه