للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عطية العوفي: {فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} ، أي نقضي عليه، كأنه جعل ذلك بمعنى التقدير، فإن العرب تقول: قدر وقدّر بمعنى واحد، وقال الشاعر:

فلا عائد ذاك الزمان الذي مضى ... تباركت ما تقدر يكن ذلك الأمر

ومنه قوله تعالى: {وَفَجَّرْنَا الأرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} ١ أي قدّر. {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} ٢ قال ابن مسعود: ظلمة بطن الحوت وظلمة البحر وظلمة الليل٣“ وهنالك دعا يونس عليه السلام قائلا {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} إنها دعوة تائب منيب إلى ربه، معترفٍ بخطئه، وقدّم بين يدي اعترافه بذنبه توحيد ربه بقوله {لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ} فهذا إقرار موقن بوحدانية ربه تبارك وتعالى، ثم قال {سُبْحَانَكَ} أي أنزهك وأقدسك عما لا يليق بجنابك وبعظمتك، وبعد هذا التوسل العظيم، قدم أيضا إقراره بخطئه قائلا: {إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} أي الظالمين لأنفسهم بفعل ما لا ينبغي فعله، وإنه لتوسل من أعظم أنواع التوسلات، فكان أن أجاب الله عز وجل دعاءه، قال تعالى {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} ٤.

ولذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “دعوة ذي النون إذ هو في بطن الحوت

{لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} ٥ فإنه لم يدع بها مسلم ربه في


١ القمر: ١٢
٢ الأنبياء: ٨٧.
٣ تفسير ابن كثير ٣/١٩١-١٩٢
٤ الأنبياء: ٨٨
٥ الأنبياء: ٨٧

<<  <   >  >>