وبعد: فقد دعا كتاب الله عز وجل المؤمنين إلى التوسل بربهم، والتقرب إليه بما يحبه منهم، وذلك مما شرعه لهم في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فالتوسل إنما يكون بعمل يقدمه المرء، وكسب يحصل عليه بجهده.
أمّا العاجزون الكسالى فإنهم يريدون الوصول إلى النتائج بدون المقدمات التي توصلهم إليها، فتراهم يتوسلون بأعمال غيرهم، وبجاه سواهم، وبحقٍّ لا يملكون منه شيئاً، ألا ما أعجب حال هؤلاء! وحقيق بمن هذا حاله أن لا يجاب إلى طلبه، وأن لا يصل إلى مراده؛ إذ أراد أن يدخل البيوت من غير أبوابها.
وقد تبين خلال هذا البحث أن التوسل إنما يكون بأمور شرعها الله عز وجل، ودلت عليها سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك بعمل صالح يقدمه المتوسل، وكذا التوسل إلى الله عز وجل باسم من أسمائه، أو صفة من صفاته العليا، ومن ذلك التوسل إلى الله عز وجل بفضله ورحمته، وإحسانه إلى خلقه، وكذلك التوسل إلى الله عز وجل بدعاء الأحياء الصالحين من المؤمنين.
فهذه أبواب التوسل الشرعي الصحيح، وما سواها مزالق قد ينتهي بالإنسان إلى عبادة غير الله عز وجل، والطمع والرجاء في المخلوق، كما حدث من قوم نوح عليه السلام.
نسأل الله العظيم، رب العرش الكريم أن يهيئ لنا من أمرنا رشداً، وأن يلهمنا الصواب في القول والعمل، وأن يسدّد على طريق الحق خطانا بمنّه وكرمه وإحسانه؛ فإنّه أعظم مسؤول، وهو نعم المجيب.
والحمد لله أولاً وآخراً، والصلاة والسلام الأتمّان الأكملان على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، وسلّم تسليماً كثيراً.