للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

حسداً للذين آمنوا، ويتوسلون لتحقيق ذلك بقولهم {رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} إنهم يتوسلون بكون ربهم عز وجل هو الرؤوف بعباده الرحيم بهم، ونعم ما توسلوا به؛ لقد توسلوا بوصفين لله تبارك وتعالى، من مقتضاهما إجابة دعوة الداعين، وإعطاء السائلين سؤلهم.

ومما يدعو للتأمل ما وقع من نبي الله نوح عليه السلام حيث دعا قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً، فلم يجد منهم غير الصدّ والإعراض، وإيذائه والمؤمنين به، فأمره الله عز وجل أن يصنع الفلك، فاستجاب لأمر ربه وصنع السفينة، ولما جاء أمر الله، وبدت علامات هلاك القوم، ركب نوح عليه السلام ومن معه من المؤمنين، وحملوا معهم ما أمروا بحمله في الفلك قال تعالى {فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ. وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبَارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ} ١ علم الله عز وجل رسوله نوحا أن يدعو بهذا الدعاء، وبعد أن قدّم من الوسائل ما يكون سببا في إجابة دعائه، وهي دعوته لقومه هذه المدة الطويلة، وصبره على أذاهم، واجتهاده في دعوتهم؛ إذ سلك كل ما يمكن أن يكون سبباً في هدايتهم، ثم استجابته لأمر ربه بصنع الفلك، ثم حمله عليها من كل صنف من الحيوانات والنباتات زوجين أي ذكر وأنثى، بعد هذه الوسائل أمر أن يقدّم بين يدي دعائه شكر ربه، وحمده على إنجائه والمؤمنين معه من القوم الظالمين، ثم أمر أن يدعو ويقول {رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبَارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ} وهكذا يختم دعاءه بالتوسل بكون ربه عز وجل خير المنزلين، أي أنت خير من أنزل عباده المنازل المباركة الطيبة بل لا ينزلهم تلك المنازل سواك.


١ المؤمنون: ٢٨-٢٩

<<  <   >  >>