في ذراه، وقد أجروا ذكر أبي الطيب، فذهبوا في تأبينه كل مذهب: إن راى المأمون - لا فارق العزة والعلاء - أن يشير إلى أي قصيدة شاء. من شعر أبي الطيب حتى أعارضه بقصيدة تنسي أسمه، وتعفي رسمه، فتثاقل أبن ذي النون عن جوابه، علما بضيق جنابه، وإشفاقا من فضيحته وانتشابه. وألح أبو عبد الله حتى أحرج أبن ذي النون وأغراه؛ فقال له: دونك قوله: " لعينيك ما يلقى الفؤاد وما لقي ". فخلا بها ابن شرف أياما فوجد مركبها وعرا، ومريرتها شزرا، ولكنه أبلى عذرا، وأرهق نفسه من أمره عسرا، فما قام ولا قعد، ولا حل ولا عقد. وسئل أبن ذي النون بعد: أي شيء أقصده إلى تلك القصيدة [٣٥]- فقال: لأن أبي الطيب يقول فيها: " بلغت بسيف الدولة النور " وأنشد البيتين وهذه غريبة ولو صدرت عن أبي العباس المأمون، فضلا عن منتزع لقبه يحيى بن ذي النون. وقدما كبا الجموح، وذهبت بالباطل الريح؛ ولم يندم من بني على أسه، ولا هلك من عرف قدر نفسه.
وقد حدثت أيضا أن أبي علي بن رشيق ناجى نفسه بمعارضة أبي الطيب في بعض أشعاره، وراطن شيطانه بالدخول في مضماره، فأطال الفكرة، واعمل النظرة بعد النظرة، فأختار من شغره ما لم يطر ذكره ولا لحظ قدره، فأداه جهده، وذهب به نقده، إلى معارضة قوله:" أمن أزديارك في الدجى الرقباء ". فبث عيونه، وأستمد ملائكته وشياطينه، ولم يدع ثنية حتى طلعها، ولا خبيثة إلا أطلعها