وكان ذلك ليلاً، فلما وقعت الصيحة وارتفعت حضر المنتصر للحين، فجلس على كرسي وحف به بغا الصغير وجميع قتلة أبيه، فجعل المنتصر يسأل ويقول: ما هذا الصياح وما هذا الخبر - سؤال جاهل به، فكان كما قال خوات بن جبير:
وأهل خباء صالح ذات بينهم ... قد احتربوا في عاجل أنا آجله
فأقبلت في الساعين أسأل عنهم ... سؤالك بالشيء الذي أنت جاهله فقال بغا: إن الفتح بن خاقان عدو الله قتل أمير المؤمنين، فقال: وما فعلتم بالفتح - قالوا: قتل وسفك دمه.
وخبر قتل المتوكل جعفر بتدبير ابنه المنتصر أشهر من أن يذكر، وقد ألمعت من ذلك بلمعة في أخبار [الخليفة] سليمان، المفتتح به هذا الديوان. وكان البحتري ليلة قتله حاضراً فاختفى في طي الباب، وهو القائل فيه من قصيدة يرثيه:
وكان ولي العهد أضمر غدرةً ... فمن عجب أن ولي العهد غادره
فلا ملي الباقي تراث الذي مضى ... ولا حملت ذاك الدعاء منابره وكان كثيراً ما يرتاح في شعره إلى ذكره الفتح بن خاقان وتأبينهما، وهو القائل فيهما: