للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

نظره أخباره السياسية التي أضحت عند أهل النظر أمثلة هاديةً إلى الاحتواء على أمد الرياسة، في صلابة العصا وشناعة السطا، فجاء منها بمهولات يذعر من سمع بها فضلاً عن من عاينها، نسبوا إلى هذا الأمير الشهم عباد امتثالها من غير دلالة، وقد انطوى علم الله فيها وتقرر إرصاده للمكافأة بها؛ ولم يقصر عباد في دولته التي مهدها فوق أطراف الأسنة وصير أكثر شغله فيها شب الحروب، وكياد الملوك وإهراج البلاد، وإحراز التلاد، من توفر حظه الأوفى من الأمور الملوكية، والعدد السلطانية، والآلات الرياسية، فابتنى القصور السامية، واعتمر العمارات المغلة، واكتسب الملابس الفاخرة، وغالى الأعلاق السنية، وارتبط الخيول السابحة، واقتنى الغلمان الروقة، واتخذ الرجال الذادة، تناقهم من كل فرقة، فساس طبقاتهم ما بين إدرار الأعطية وضمان الزيادة على صدق الصيال، والوفاء بالوعيد على النكول عن العدو، سياسة أعيت على أنداده من أملاك الأندلس، فخرج منهم رجالاً مساعير حروب، أباد بهم أقتاله.

ومن نادره أخباره المتناهية في الغرابة أن نال بغيته وأهلك تلك الأمم العاتية، وإن لغائب عن مشاهدتها، مترفه عن مكابدتها، مدبر فوق أريكته، منفذ لحيلها من جوف قصره، ما إن مشى إلى عدو أو مغلوب من أقتاله غير مرة أو اثنتين، ثم لزم عريسته يدبر داخلها أموره، جرد نهاره لإبرام التدبير، وأخلص ليله لتملي السرور، فلا يزال تدار عليه مؤوس الراح، ويحيا عليها بقبض الأرواح، التي لأناسيها من

<<  <  ج: ص:  >  >>