للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أعدائه بباب قصره حديقة تطلع كل وقت ثمراً من رؤوسهم المهداة إليه، مقرطة الآذان برقاع الأسماء المنوهة بخاملها، ترتاح نفسه لمعاينتها، والخلق يذعرون من التماحها، وهو واصل نعيم ليله بإجالة كيده، ومستدع نشاط لهوه بقوة أيده، له في كل شأن شؤين، وعلى كل قلب سمع وعين، ما إن سبر أحد من دهاة رجالة غوره، ولا أدرك قعره، ولا أمن مكره، لم يزل ذلك دبه منذ ابتدائه إلى انتهائه.

وكان محمد بن عبد الجبار الملقب بالمهدي، مفرق الجماعة بقرطبة، ومبتعث تلك الفتنة المبيرة، سبق عباداً إلى اتخاذ مثل هذه الحديقة المطلعة لرؤوس أعدائه، أيام أكثر له واضح الخصي العامري من إرسال برؤوس الخارجين عليه، لأول وقته، وأصلح بهم باب مدينته سالم، فغرس منها فوق الخشب المعلية لها بشط النهر حذاء قصره حديقة هول عريضةً طويلة الخطة، جمة عدد الصفوف المسطورة، فأضحت شغلاً للنظارة، وذكرتها شعراؤه مثل قول صاعد بن الحسين، من قصيدة أولها:

جلاء العين مبهجة النفوس ... حدائق أطلعت ثمر الرؤوس

هناك الله مهدي المساعي ... جنى الهامات من تلك الغروس

فلم أر قبلها وحشاً جميلاً ... كريه روائه أنس الأنيس

فماذا يملأ الأسماع منها ... إذا ملئت من انباء الطروس وقد كانت لعباد وراء هذه الحديقة المالئة قلوب البشر ذعراً، مباهاة بخزانة بلوى، أكرم لديه من خزانة جوهره، مكنونة جوف قصره

<<  <  ج: ص:  >  >>