بعاداً من الظنة، إذ كان هو وجماعة قرطبة متوقفين على كل دعوة، فلما وصلت رسله إليهم ما زادهم إلا لجاجاً. ولم يزل ابن جهورٍ يضرب لهم الأمثال، ويخوفهم من سوء العاقبة والمآل، حتى صار فيهم كمؤمن آل فرعون وعظاً وتذكرة، يجد منهم الأطواد الراسية، ويرقي الحيات المتصامة. واستن القوم في ميدان الغي؛ فلما صح عند ابن عباد خروجه للبلة بجشيه دفعاً عن ابن يحيى منتظراً لخلطائه، جرد خيلاً ضربت على بلد ابن الأفطس، وغارت وأنجدت، وفعلت فعلات تكأن القلوب، وقرفت الندوب، ثم نهض ابن عباد بنفسه إلى لبلة للقائه، فجرت بينهما على بابها وقعة عظيمة صعبة، استهما فيهما النصر في مقام واحد شق على الأبلمة، وكانت أولاً على ابن الأفطس، فولى الدبر وخاض واديها دون مخاضة، وقيل قتل من رجاله عدد كثير، ثم رجعت له على ابن عباد كرة فكشف رجاله وأصاب منهم نفراً، ثم افترقوا ولحق بعد باديس بجمعه وخاض وادي قرطبة وجاز إلى الشرف، وتجمع بحلفائه، وعاثوا في نظر إشبيلية، وانقطعت السبل جملة، وكثر القتل والهرج والسلب، وأمسى الناس في مثل عصر الجاهلية، ثم والى ابن يحيى بعد ذلك كله المعتضد لضرورة دفعته إلى ذلك، فكاشفه المظفر وخانه فيما كان ائتمنه عليه من ماله وأودعه عنده، [٦ب] أيام تورطه في حرب المعتضد، فانبتت