للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى أن نظر الخليل البصري في الشعر ووزنه، ومخارج ألفاظه، وميز ما قالت العرب منه، وجمعه وألفه، ووضع فيه الكتاب الذي سماه العروض، وذلك أنه عرض جميع ما روي من الشعر وما كان به عالماً، على الأصول التي رسمها، والعلل التي بينها، فلم يجد أحداً من العرب خرج منها، ولا قصر دونها. فلما أحكم وبلغ منه ما بلغ، أخذ في تفسير النغم واللحون، فاستدرك منه شيئاً، ورسم له رسماً احتذى عليه من خلفه، واستتمه من عني به.

وكان إسحاق بن إبراهيم الموصلي أول من حذا حذوه، وامتثل هديه، واجتمعت له في ذلك آلات لم تجتمع للخليل بن أحمد قبله، منها معرفته بالغناء، وكثرة استماعه إياه وعلمه بحسنه من قبيحه، وصحيحه من سقيمه.

ومنها حذقه بالضرب والإيقاع، وعلمه بوزنها. وألف في ذلك كتباً معجبة، وسهل له فيها ما كان مستصعباً على غيره، فصنع الغناء بعلم فاضل، وحذق راجح، ووزن صحيح، وعلى أصل مستحكم له دلائل صحيحة وواضحة، وشواهد عادلة. ولم نر أحداً وجد سبيلاً إلى الطعن عليه والعيب له.

وصنع كثير من أهل زمانه أغاني كثيرة بهاجس طبعهم والاتباع لمن سبقهم، فبعض أصاب وجه صوابه، وبعض أخطأ، وبعض قصر في بعض وأحسن في بعض.

<<  <  ج: ص:  >  >>