أحسن الشعر الذي يتضمن الحكم هو المعنوي كشعر أبي تمام ومن أخذ أخذه، فذلك القدر من المعنى هو لذي يعنيه أبو إسحاق بالغموض لا غير.
فأما قوله: "فماذا تقول في الكلام المسجوع الذي كل فقرة منه بمنزلة بيت من الشعر؟ فجوابه أن السجع ليس شرطا في المنثور فقد تكون الرسائل غير مسجوعة، ولا يمكن أن يكون الشعر إلا وزنا محدودا.
وبعد فالرسائل المسجوعة لا يلزم فيها ما ذكرناه في الشعر؛ لأن الفقرة الواحدة قد يطيلها الكاتب، وقد يقصرها، وقد يأتي بفقرتين طويلتين، ثم يأتي بعدهما باثنتين قصيرتين، ثم يأتي بعد ذلك بفقرتين إحداهما قصيرة والأخرى طويلة، فهو يضرب يمينا وشمالا، ويمد نفسه تارة ويقصره أخرى، وليس كذلك القصيدة، فإن صاحبها عند ابتدائها يلتزم عروضا واحدة، ولو زاد فيها حرفا واحدا أو نقصه لكان شعره فاسدا، فأين أحد النوعين من الآخر؟
١٣٦- قال المصنف: قال أبو إسحاق: والفرق بين المترسلين والشعراء أن الشعراء إنما أغراضهم التي يرمون إليها وصف الديار والآئار، والحنين إلى الأهواء والأوطان، والتشبيب، النساء، والطلب، والاستدعاء، والمدح والهجاء، فأما الكتاب فإنما يترسلون في سداد ثغر، أو إصلاح فساد، أو تحريص على جهاد، واحتجاج على فئة، أو مجادلة لملة، أو دعاء لألفة، أو نهي