للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

عن فرقة، أو تهنئة بعطية، أو تعزية. قال: وهذا من أبي إسحاق تحكم محض لا يستند إلى شبهة فضلا عن بينة.

وأي فرق بين الشاعر والكاتب في هذا المقام؟ وكما يصف الشاعر الآثار والديار ويحن إلى الأهواء والأوطان، فكذلك يكتب الكاتب في الاشتياق إلى الأوطان، ومنازل الإخوان والأحباب، ولهذا كانت الكتب الإخوانيات بمنزلة الغزل والتشبيب من الشعر، وكما يكتب الكاتب في إصلاح فساد أو سداد ثغر أو دعاء إلى ألفة أو نهي عن فرقة أو تهنئة أو تعزية فكذلك الشاعر. فإن ندت عن الصبابي قصائد الشعراء في أمثال هذه المعاني فكيف خفي عنه قصيدة أبي تمام في استعطاف مالك بن طوق على قومه التي مطلعها:

حسم الصلح ما اشتهته الأعادي

وقصيدة البحتري التي يذكر فيها غزو البحر، ومطلعها:

ألم تر تغليس الربيع المبكر

والقصائد التي تجري على هذا المجرى١ كثيرة.

أقول: السؤال في هذا المقام قد يقع عن أمرين أحدهما أن يقال ما الفرق بين الشعر والكتابة؟ والثاني أن يقال لم كانت منزلة الشاعر دون منزلة الكاتب؟ وأحد هذين السؤالين غير الثاني، وكلام أبي إسحاق هو في السؤال الثاني؛ لأنه هكذا قال: إنما كانت حقيقة الشاعر دون الكاتب لكذا وكذا، وهذا جواب صحيح.


١ ملخص من المثل السائر: ٤/ ٧.

<<  <   >  >>