للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قلت١: وليس فيما ذكره حكاية خلاف في جواز فتيا المقلد وتقليده، لأن فيما ذكره من توجيه وجه الجواز تشبيهًا٢ بأن العامي لا يبقى مقلدًا في حكم تلك الحادثة، والله أعلم.

الثاني: إن قلت: من تفقه وقرأ كتابًا من كتب المذهب، أو أكثر٣، وهو مع ذلك قاصر لم يتصف بصفة أحد من "أصناف"٤ المفتين الذين سبق ذكرهم، فإذا لم يجد العامي في بلده غيره فرجوعه إليه أولى من أن يبقى في واقعته مرتبكًا في حيرته.

قلت: إن كان في غيره بلده مفت يجد السبيل إلى استفتائه فعليه التوصل إلى استفتائه بحسب إمكانه، على أن بعض أصحابنا، ذكر أنه إذا شغرت البلدة عن المفتين فلا يحل المقام فيها، وإن تعذر ذلك عليه ذكر مسألته للقاصر المذكور، فإن وجد مسألته بعينها مسطورة في كتاب موثوق بصحته، وهو ممن يقبل خبره، نقل له حكمها بنصه، وكان العامي في ذلك مقلدًا لصاحب المذهب٥، وهذا وجدته في ضمن كلام بعضهم، والدليل يعضده، ثم لا يعد هذا القاصر بأمثال ذلك من المفتين، ولا من الأصناف المذكورة المستعار لهم سمة المفتين، وإن لم يجد مسألته بعينها ونصها مسطورة فلا سبيل له إلى القول فياه قياسًا على ما عنده من المسطورة، وإن اعتقده من قبيل قياس لا فارق الذي هو نحو قياس الأمة على العبد في سراية العتق، لأن القاصر معرض لأن يعتقد ما ليس من هذا القبيل داخلا في هذا القبيل، وإنما استتب إلحاق الأمة بالعبد في سراية العتق في حق من عرف مصادر الشرع وموارده في أحكام العتق بحيث استبان له أنه لا فرق في ذلك بين الذكر والأنثى، والله أعلم.


١ في ش: "قال المصنف رضي الله عنه".
٢ في ف وج كأنها "تشبثًا" أو "تشبيهًا".
٣ في ف: "أكبر".
٤ من ف وج وش.
٥ انظر "المحصول": "٢/ ٣/ ٩٩-١٠٠", و"شرح عقود رسم المفتي" لابن عابدين: ١٣, المجموع: ١/ ٨٠.

<<  <   >  >>