للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكان من أظهر ما وجه إليه الأذهان في هذا الكتيب أمور تعتبر في الدين من أصول العقيدة والسلوك المستقيم، وهي من الوضوح بحيث لا ينبغي أن يماري فيها عقل الإنسان، ومن هذه الأمور:

١ - وحدة الإله:

إن وجود هذا الكون - بما فيه من نظام محكم، وتناسق دقيق - يقتضي عقلاً وجود موجد متصف لكل صفات الكمال التي تلائم دقة نظامه وأحكام تناسقه، وهذه قضية سهلة لا التواء فيها، ومن زعم أن الكون لا خالق له، فهو مكابر، يعترف بالأثر وينكر المؤثر. ومن زعم أن له أكثر من خالق فعليه الدليل، ولن يجد دليلاً على وجود معدوم، وإذا لم نكن مطالبين بإقامة الدليل على نفي التعدد، لأن المطالب بالدليل هو المثبت لا النافي - فقد تفضل العليم الحكيم على المنحرفين القائلين بالتعدد بالتنبيه على ما في مقالتهم من فساد بقوله سبحانه:

{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا}

وبهذا يتقرر في العقل ما قرره القرآن الكريم في قوله سبحانه:

{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١) اللَّهُ الصَّمَدُ (٢) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (٣) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}

ويقابل هذه العقيدة السهلة السمحة في الإسلام - عقيدة التثليث المعقدة في المسيحية، التي تنزل الله من عليائه ليحل في بعض خلقه، أو ترفع بعض المخلوقين إلى منزلة الخالق، مما يبلبل أفكار عامة الناس، ويحير جهابذة العلماء.

وقد بين السيد إبراهيم في بحثه أن هذه العقيدة دخيلة على المسيحية، وليس لها وجود في الأصل اليوناني للإنجيل، بل هي مأخوذة من الوثنية الفرعونية، والمبادئ البابلية التي وجدت في لوحة أثرية عثر عليها في بابل، ويرجع تاريخها إلى سنة ١٢٠٠ ق. م ولم تقرر هذه العقيدة عند المسيحيين إلا في مجمع نيقية المنعقدة سنة ٣٢٥ م م بدعوة من الإمبراطور قسطنطين بسبب الخلاف بين الأسقف آريوس والشماس أثناسيوس الإسكندريين.

قال الأسقف: إن المسيح مخلوق لله، ومتصف بكل الصفات الإنسانية وتعتريه كل العواطف البشرية، من نوم ويقظة، وفرح وحزن، وغير ذلك، فلا يكون إلهاً بحال.

<<  <   >  >>