للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وجدير بالذكر أن ما أضافه كل من بياجيه وانهلدر للوصف السابق لتحولات الذاكرة يعتبر بمثابة بعدًا نمائيًّا، ففي سلسلة من دراساتهما أشارا أن تذكر الأطفال يبرز تغيرًا لنمو قدراتهم العقلية في التعامل مع العلاقات الكمية، ففي إحدى الدراسات عرض على أطفال من الرابعة إلى السادسة من العمر مجموعة من العصي ذات أطوال مختلفة ورتبت من الأصغر إلى الأطول ... وسئل الأطفال أن ينسخوا أو يقلدوا عمل هذه السلسلة من العصي، وبعد ذلك كلفوا برسم هذا النموذج من الذاكرة بعد رؤيتها مباشرة، وكررت هذه التجربة بعد ستة أشهر بعد ذلك.

وأشارت النتائج أن أطفال سن الرابعة كانت لديهم صعوبة في نسخ نموذج السلاسل وفي تذكرها، وعادة ما كانوا يرسمون أزواجًا من العصي واحدة فيها أكبر من الأخرى، وأطفال الخامسة والسادسة كانوا أكثر دقة مما كان عليه أطفال الرابعة، وعادة ما كانوا يجرون نسخًا صحيحًا للنموذج ونتيجة ذلك كانت لافتة للنظر في هذه التجربة وهي عندما سؤال أطفال الرابعة أن يرسموا نموذج السلاسل بعد ستة أشهر من إجراء التجربة الأولى، أظهروا تحسنًا ملحوظًا وذو دلالة على رسومهم الأولى، ويعلق بياجيه وانهلدر على ذلك بقولهما، أن تذكر هؤلاء الأطفال لنماذج السلاسل قد تحول في انسجام ومطابقة مع قدرتهم النامية لترتيب عصي مختلفة الأحجام في هيئة سلسلة وجدير بالذكر أن هذه النتائج دعمت بنتائج دراسات أخرى عديدة.

جملة القول أن كل من بياجيه وانهلدر قد أمدونا بدليل جديد للنظر إلى التذكر على أنه بمثابة عملية فعالة نشطة وليس عملية سلبية، ومن جانب آخر وجدنا كل من ارتيت وفرويد يشيران أن نشاط الذاكرة يعتبر عملية محرفة مشوهة بصورة أساسية، إلا أن كل من بياجيه وانهلدر يشيران بأنه ليس بالضرورة أن يكون التذكر على هذا النمط، فبالنسبة للأطفال الناميين فإن تذكر الخبرات السابقة يتحسن بتقدم العمر وكلما أعاد الطفل بناء هذه الذكريات مع عمليات عقلية ومفاهيم أكثر نضجًا.

وفيما يتعلق بتذكر الراشدين لخبرات الطفولة المبكرة، فإن معظم الراشدين لا يمكنهم تذكر هذه الفترة من حياتهم بصورةكاملة، فقد يكون لدينا بعض من الذكريات اللافتة للنظر عن هذه الفترة، وبعض من الحدس الغامض إلا أنها تكون شاحبة وغير واضحة بصورة كاملة. وقد يرجع سبب ذلك إلى النضج العقلي، فالذكريات تخزن في إطار زماني ومكاني معين، فعندما نسأل شخص ما أين كنت الليلة الماضية؟ فإننا نسأل عن الزمان والمكان. وعلى ذلك يمدنا بدليل للبحث عن ذاكرة معينة أو تذكر فرد معين، إلا أن الأطفال الصغار عادة ما نجد لديهم مفاهيم غامضة للزمان والمكان وبالتالي لا يمكنهم تخزين هذه الذكريات في إطار نظامي.

<<  <   >  >>