والمعنى الإجمالي لهذه القاعدة: أن النص الشرعي لا دلالة له على حكم ما في المفهوم المخالف لمنطوقه، لأنه ليس من مدلولاته بطريق من طرق الدلالة الأربع، بل يعرف حكم المفهوم المخالف المسكوت عنه بأي دليل آخر من الأدلة الشرعية التي منها الإباحة الأصلية.
فقوله تعالى:{قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً}[الأنعام: ١٤٥] ، منطوقة تحريم الدم المسفوح، وأما تحليل الدم غير المسفوح فهو مفهوم مخالف لمنطوقه ولا دلالة لهذه الآية عليه، بل يعرف بالإباحة الأصلية أو بأي دليل شرعي، مثل قول الرسول:"أحلت لكم ميتتان ودمّان، أما الميتتان فالسمك والجراد، وأما الدمان فالكبد والطحال".
وقوله تعالى: وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: ٢٥] منطوقة أن من لم يستطع زواج الحائر يباح له أن يتزوج الإمام المؤمنات، وأما من استطاع زواج الحرائر فلا دلالة لهذه الآية على حكمه، وكذلك الإماء غير المؤمنات لا دلالة لهذه الآية على حكم فيهن.
أما الشرح التفصيلي لهذه القاعدة فيقتضى بيان أنواع مفهوم المخالفة، لأن هذا المفهوم يتنوع بحسب القيد الذي قيد به منطوق النص إلى خمسة أنواع:
١- مفهوم الوصف: كقوله تعالى في بيان المحرمات: {وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم}[النساء: ٢٣] ، مفهوم المخالفة حلائل الأبناء الذين ليسوا من الأصلاب كابن الابن رضاعا، وكقول الرسول:"في السائمة زكاة" مفهوم المخالفة المعلوفة التي ليست سائمة، وكقوله:"من باع نخلة مؤبّرة فثمرتها للبائع"
٢- مفهوم الغاية: كقوله تعالى: {فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ}[البقرة: ٢٣٠] ، مفهوم المخالفة إذا تزوجت المطلقة ثلاثا زوجا غير مطلقها، وقوله تعالى:{وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}[البقرة: ١٨٧] ، مفهوم المخالفة إذا تبين الأبيض من الأسود من الفجر.