وفعل الرسول في هذا الأمر العام تشريع لأمته، ولم يقم دليل على اختصاصه به، فالقياس فيما لا نصل فيه من سنن الرسول، وللمسلمين به أسوة.
ورد أن جارية خثعمية قالت: يا رسول الله إن أبي أدركته فريضة الحج شيخا زمناً لا يستطيع أن يحج، إن حججت عنه أينفعه ذلك؟ فقال لها:"أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته، أكان ينفعه ذلك؟ " قالت: نعم، فقال لها:"فدين الله أحق بالقضاء".
وورد أن عمر سأل الرسول عن قبلة الصائم من غير إنزال، فقال له الرسول:"أرأيت لو تمضمضت بالماء وأنت صائم؟ " قال عمر: قلت لا بأس بذلك، قال:"فمه"، أي اكتف بهذا.
وورد أن رجلا من (فزارة) أنكر ولده لما جاءت به امرأته أسود، فقال له الرسول:"هل لك من إبل؟ " قال: "ما ألوانها؟ " قال: حمر، قال:"هل فيها من أورق؟ " قال: نعم، قال:"فمن أين؟ " قال: لعله نزعة عرق، قال:"وهذا لعله نزعه عرق"
وفي الجزء الأول من إعلام الموقعين أمثلة كثيرة لأقيسة الرسول.
٣- وأما أفعال الصحابة وأقوالهم فهي ناطقة بأن القياس حجة شرعية، فقد كانوا يجتهدون في الوقائع التي لا نص فيها، ويقيسون ما لا نص فيه على ما فيه نص ويعتبرون النظير بنظيره. قاسوا الخلافة على إمامة الصلاة، وبايعوا أبا بكر بها وبيّنوا أساس القياس بقولهم: رضيه رسول الله لديننا، أفلا نرضاه لدنيانا. وقاسوا خليفة الرسول على الرسول، وحاربوا مانعي الزكاة الذين منعوها استناداً إلى أنها كان يأخذها الرسول، لأن صلاته سكن لهم لقوله عز شأنه:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ}[التوبة: ١٠٣] .