قال عمر بن الخطاب في عهده إلى أبي موسى الأشعري:"ثم الفهم فيما أدلى إليك مما ورد عليك مما ليس فيه قرآن ولا سنة، ثم قايس بين الأمور عند ذلك، وأعرف الأمثال ثم أعمد فيما ترى أحبها إلى الله، وأشبهها بالحق"
وقال على بن أبي طالب: ويعرف الحق بالمقايسة عند ذوي الألباب، ولما روى ابن عباس أن الرسول نهاه عن بيع الطعام قبل أن يقبض، قال:"لا أحسب كل شيء إلا مثله"
وقد نقل ابن القيم في الجزء الثاني من إعلام الموقعين ابتداء من صفحة (٢٤٤) عدة فتاوى لأصحاب رسول الله أفتوا فيها باجتهادهم بطريق القياس، وما أنكر الرسول في حياته على من أجتهد من صحابته، وما أنكر بعض الصحابة على بعض اجتهاد الرأي وقياس الأشباه بالأشباه، فإنكار حجية القياس تخطئة لما سار عليه الصحابة في اجتهادهم وما قرروه بأفعالهم وأقوالهم.
٤- وأما المعقول فأظهر أدلتهم منه ثلاثة:
أولها: أن الله سبحانه ما شرع حكماً إلا لمصلحة، وأن مصالح العباد هي الغاية المقصودة من تشريع الأحكام، فإذا ساوت الواقعة التي لا نص فيها الواقعة المنصوص عليها في علة الحكم التي هي مظنة المصلحة قضت الحكمة والعدالة أن تساويها في الحكم تحقيقا للمصلحة التي هي مقصود الشارع من التشريع، ولا يتفق وعدل الله وحكمته أن يحرم شرب الخمر لإسكاره محافظة على عقول عباده ويبيح نبيذاً آخر فيه خاصية الخمر وهي الإسكار، لأن مآل هذه المحافظة على العقول من مسكر، وتركها عرضة للذهاب بمسكر آخر.
وثانيها: أن نصوص القرآن والسنة محدودة ومتناهية، ووقائع الناس وأقضيتهم غير محدودة ولا متناهية، فلا يمكن أن تكون النصوص المتناهية وحدها هي المصدر التشريعي لما لا يتناهى، فالقياس هو المصدر التشريعي الذي يساير الوقائع المتجددة، ويكشف حكم الشريعة فيما يقع من الحوادث ويوفق بين التشريع والمصالح.