للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإذا لم تكن مناسبة ولا ملائمة لم تصلح علة للحكم. فالإسكار مناسب لتحريم الخمر لأن في بناء التحريم عليه حفظ العقول، والقتل العمد العدوان مناسب لإيجاب القصاص لأن في بناء القصاص عليه حفظ حياة الناس، والسرقة مناسبة لإيجاب قطع يد السارق والسارقة لأن في بناء القطع عليها حفظ أموال الناس.

لهذا لا يصح التعليل بالأوصاف غير المناسبة، وتسمى بالأوصاف الطردية أو الاتفاقية التي لا تعقل علاقة لها بالحكم، ولا بحكمته كلون الخمر، أو كون القاتل عمداً عدواناً مصري الجنس، أو كون السارق أسمر اللون، أو كون المفطر عمداً في رمضان أعرابيا. ولا يصح التعليل بأوصاف مناسبة بأصلها إذا طرأ عليها في بعض الجزئيات بمناسبتها، وجعلها قطعا غير مظنة لحكمة التشريع، فصيغة البيع من المكره لا تصح علة لنقل الملكية، وزوجية من ثبت عدم تلاقيهما من حين العقد لا تصل علة لثبوت النسب، وبلوغ من بلغ مجنوناً لا يصلح علة لزوال الولاية النفسية عنه، لأن البيع والزواج والبلوغ في هذه الجزئيات ليست مظنة ولا مناسبة.

رابعها: أن لا تكون وصفا قاصرا على الأصل: ومعنى هذا أن تكون وصفا يمكن أن يتحقق في عدة أفراد ويوجد في غير الأصل، لأن الغرض المقصود من تعليل حكم الأصل تعديته إلى الفرع، فلو علل بعلة لا توجد في غير الأصل لا يمكن أن تكون أساسا للقياس. ولهذا لما عللت الأحكام التي هي من خصائص الرسول، بأنها لذات الرسول لم يصح فيها القياس، فلا يصح تعليل تحريم الخمر بأنها نبيذ العنب تخمر، ولا تعليل تحريم الربا في الأموال الربوية الستة بأنها ذهب أو فضة.

وبعض الأصوليين خالف في اشتراط هذا الشرط في العلة. وينبغي أن لا يكون في اشتراط هذا الشرط خلاف، ما دام المقصود هو شروط العلة التي هي ركن القياس وأساسه، لأنه لا تكون العلة أساسا للقياس إلا إذا كانت متعدية أي أمراً غير خاص بالأصل ويمكن وجوده في غيره.

<<  <   >  >>