قدمنا في بحث "شروط العامة" أنه ليس كل وصف في الأصل يصلح أن يكون علة لحكمه، وأنه لا يصح التعليل بوصف إلا إذا كان ظاهرا منضبطا مناسبا. وبينا أن المراد بمناسبة الوصف للحكم أن يكون مظنة لحكمته، بحيث يكون بناء الحكم عليه وربطه به من شأنه أن يحقق المصلحة التي شرع الحكم من أجلها. ونقرر هنا أنه للاحتياط يشترط أن يكون الوصف المناسب مع ظهوره وانضباطه قد اعتبره الشارع علة بأي نوعه من أنواع الاعتبار.
ومن ناحية اعتبار الشارع للمناسب وعدم اعتباره إياه، قسّم الأصوليين الوصف المناسب إلى أقسام أربعة:
وبنوا الحصر في هذه الأقسام على أن الوصف المناسب إذا اعتبره الشارع بعينه علة لحكم بعينه فهو المناسب المؤثر، وإذا اعتبره الشارع علة بنوع آخر من أنواع الاعتبار الثلاثة التي سيأتي بيانها فهو المناسب الملائم، وإذا لم يعتبره الشارع بأي نوع من أنواع الاعتبار ولم يبغ اعتباره ولم يرتب حكما على وفقه، فهو المناسب المرسل، وإذا ألغي الشارع اعتباره فهو المناسب الملغي. وقد اتفقوا على صحة التعليل بالمناسب المؤثر وبالمناسب الملائم، وعلى عدم صحة التعليل بالمناسب الملغي، واختلفوا في صحة التعليل بالمناسب المرسل. وهذا بيان الأقسام الأربعة وأمثلتها:
١- المناسب المؤثر: هو الوصف المناسب الذي رتب الشارع حكماً على وفقه، وثبت بالنص أو الإجماع بعينه علة للحكم، الذي رتب على وفقه، ومثاله قوله تعالى:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ}[البقرة: ٢٢٢] ، الحكم الثابت بهذا النصل هو إيجاب اعتزال النساء في المحيض، وقد رتب على أنه أذى، وصوغ النص صريح في أن علة هذا الحكم هو الأذى، فالأذى لإيجاب اعتزال النساء في المحيض وصف مناسب مؤثر.
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يرث القاتل" الحكم الثابت بهذا النص هو منع القاتل من إرث مورثه، وقد رتب