يتحقق من أن تشريع الحكم في الواقعة يجلب نفعا لأكبر عدد من الناس، أو يدفع ضررا عنهم وليس لمصلحة فرد أو أفراد قلائل منهم، فلا يشرع الحكم لأنه يحقق مصلحة خاصة بأمير أو عظيم، بصرف النظر عن جمهور الناس ومصالحهم، فلابد أن تكون لمنفعة جمهور الناس.
ثالثها: أن لا يعارض التشريع لهذه المصلحة حكما أو مبدأ ثبت بالنص أو الإجماع: فلا يصح اعتبار المصلحة التي تقتضي مساواة الابن والبنت في الإرث، لأن هذه مصلحة ملغاة لمعارضتها نص القرآن، ولهذا كانت فتوى يحيى بن يحيى الليثي المالكي فقيه الأندلس، وتلميذ الإمام مالك بن أنس خاطئة؛ وذلك أن أحد ملوك الأندلس أفطر عمدا في رمضان، فأفتاه الإمام يحيى بأنه لا كفّارة لإفطاره إلا أن يصوم شهرين متتابعين، وبنى فتواه على أن المصلحة تقتضي هذا إذ إن المقصود من الكفارة زجر المذنب وردعه حتى لا يعود إلى مثل ذنبه، ولا يردع هذا الملك إلا هذا، فأما إعتاقه رقبة فهذا يسير عليه ولا ردع فيه، فهذه الفتوى بينت على مصلحة ولكنها تعارض نصا، لأن النص صريح في أن كفارة من أفطر في رمضان عمدا إعتاق رقبة، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا، بلا تفريق بين ملك يفطر وفقير يفطر، فالمصلحة التي اعتبرها المفتي لإلزام الملك بالتكفير بصيام شهرين مصلحة خاصة ليست مرسلة بل هي ملغاة.
ومن هذا يتبين أن المصلحة، وبعبارة أخرى الوصف المناسب إذا دل شاهد شرعي على اعتباره بنوع من أنواع الاعتبار، فهو المناسب المعتبر من الشارع، وهو إما المناسب المؤثر أو المناسب الملائم، وإذا دل شاهد شرعي على إلغاء اعتباره فهو المناسب الملغي، وإذا لم يدل شاهد شرعي على اعتباره ولا على إلغائه فهو المناسب المرسل وبعبارة أخرى المصلحة المرسلة.
أظهر شبه من لا يحتجون بها:
ذهب بعض علماء المسلمين إلى أن المصلحة المرسلة التي لم يشهد شاهد شرعي باعتبارها ولا بإلغائها لا يبني عليها تشريع.