فأمَّا الَّذي أبدع وجوَّد في المعنى الأوَّل فالبحتري بقوله:
فكان العبيرُ بها واشيا ... وجرسُ الحليِّ عليها رقيبا
ما أحسن ما استعار حين جعل رائحة الطِّيب وأشيابها وصوت الحليّ رقيباً عليها، والَّذي أحسن أيضاً فيه كلّ إحسانٍ ابن أبي زرعة في قوله:
فاسْتَكْتَمتْ خَلخالَها ومشتْ ... تحتَ الظَّلامِ به فما نطقا
حتَّى إذا ريح الصَّبا نسمتْ ... ملأَ العبيرُ بسرِّنا الطَّرُقا
ما أبين حذق هذا الشاعر في هذين البيتين إذ ذكر أنَّها استكتمت خلخالها سرَّها فلم ينطق لأنَّ من سبيلهم مدح الامرأة بصمت الخلخال والسّوار لامتلاء السَّاق والذّراع وجولان الوشاح لدقَّة الخصر فذكر أنّها استكتمت خلخالها فلم ينطق لامتلاء ساقها فلمَّا هب النَّسيم ذاع سرُّ زيارتها لرائحة الطيب في الطريق الَّتي مشت فيها، ومثله لمُسلم:
إذا ما مشتْ خافتْ نميمةَ حلْيِها ... تُدارِي على المشيِ الخلاخلَ والعِطْرا
ومن مليح هذا وجيّده قول الصّنوبريّ:
قلْ لطَيفٍ سرَى فحيَّا المطيَّا ... مُغرماً بي وكانَ قبلُ خليَّا
هكذا كلَّما مضَى اللَّيلُ تَمضي ... ليتَ ذا اللَّيلَ لا يُطيق مُضيَّا
كلَّما زُرتِ زورةً في خفاءٍ ... وأرَى البدرَ لا يكونُ خفيَّا
نبَّهَ الطِّيبُ والحليُّ علينا ... فاهجُرِي الطِّيبَ طيبَها والحليَّا
ومثل هذا للعبَّاس بن الأحنف وقد جوَّد:
قلتُ الزِّيارةَ قالت وهيَ ضاحكةٌ ... اللهُ يعلمُ فيها كُنْهَ إضماري
فكيف أصنعُ بالواشينَ لا سَلِموا ... والعنبرُ الوردُ يأتيهمْ بأخْباري
مثله للنّوبختيّ: