للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رامة بنت الحصين بن منقذ بن الطمّاح وكانت وردت الحضر فلم تستطبه فحنَّت إلى البدو وقالت:

أقامَ معي مَن لا أُحبُّ جوارَهُ ... وجارايَ جارا الصِّدق مُرتحلانِ

ألا ليتَ شِعري هل أبيتنَّ ليلةً ... وبيني وبين البصرةِ النَّهرانِ

فإنْ يُنجِني منها الَّذي ساقَني لها ... فلا بدَّ من غمرٍ ومن شَنَآنِ

وقالت أيضاً:

يا ليتَ شِعري وليتٌ أصبحتْ غصَصاً ... هل أهبطَنْ قريةً ليستْ بها دورُ

ألا سبيلَ إلى نجدٍ وساكنِهِ ... أولاَ فنجدٌ حبيبُ الأهلِ مهجورُ

لقد تبدَّلتُ من نجدٍ وساكنِهِ ... أرضاً بها الدِّيكُ يزقُو والسَّنانيرُ

عمرو بن لأْي يقول للنعمان بن المنذر:

مهلاً أبَيتَ اللَّعنَ لا تأخذنَّنا ... بذنبِ امرئٍ أمسَى من الحلمِ مُعدِما

فما العبدُ بالعبدِ الَّذي ليسَ مُذنباً ... ولا الرَّبُّ بالرَّبِّ الَّذي ليس مُنعِما

الأحوص بن جعفر بن كلاب العامريّ:

يضعِّفُني حِلمي وكثرةُ جَهلكم ... عليَّ وأنِّي لا أصولُ بجاهلِ

دفعتكمُ عنِّي وما دفعُ راحةٍ ... بشيءٍ إذا لم يُستَعَنْ بالأناملِ

ضِرار بن عمرو الأسديّ:

وكنَّا إذا نحنُ التقيْنا على النَّوى ... وأبْرَزها نحوي حجابٌ يصونُها

أخذنا بأطراف الأحاديثِ بيننا ... وأوساطِها حتَّى تميل فنونُها

هذا يشبه قول الطّرمّاح:

ما زلتُ أقترضُ الحدي ... ثَ لهنَّ من حقٍّ وباطلْ

وأحثُّهنَّ عن الأيا ... مِن تارةً وعن الشَّمائلْ

إن اخْتصارَك للحدي ... ثِ إذا خشيتَ من المحاوِلْ

وإليه نظر البحتريّ بقول:

وزائرٍ زارَ من أَعَقَّته ... يميلُ وزناً بأُنسِهِ ذُعُرُهْ

كأنَّه جاءَ مُنجزاً عدَةً ... وبتُّ في الرَّاقبين أنتظرُهْ

لم أنسَهُ مُوشكاً على وجَلٍ ... مُدامجاً في الحديثِ يختصرُهْ

كأنَّما الكاشحونَ قد عَلِموا ... مكانَهُ أو أتاهمُ خبرُهْ

أبيات البحتريّ هذه أجود ما قيل في هذا المعنى ظرفَ كلام واستغراق تشبيه.

عبد الوهاب بن مطر الجرميّ:

وتعذُبُ لي من غيرها فأعافُها ... مَشاربُ فيها مقنعٌ لو أُريدُها

وأمنحُها أقصَى الوصال وإنَّني ... على ثقةٍ من أن حظِّي صدودُها

قال: دعا أبا الدِّلْهاث الغنويّ أبو الدقيس الحذفيُّ لنبيذٍ له وكانا قد أسنَّا فقال أبو الدِّلْهاث:

ألم تَرَني على كَسَلي وفَتري ... أجبتُ أخا حُذيفةَ إذ دعانِي

وكنتُ إذا دُعيتُ إلى مُدامٍ ... أجبتُ ولم يكُن منِّي تَوانِي

كأنَّا من بَشاشتنا ظَلِلْنا ... بيومٍ ليسَ من هذا الزَّمانِ

ابن الدُّمَيْنة:

ألا يا لَقومي للأسَى والتَّذكُّرِ ... وعينٍ قذَى إنسانها أُمُّ جعفرِ

فلمْ ترَ عيني مثلَ قلبيَ لم يطِرْ ... ولا كضلوعٍ تحتهُ لم تكسَّرِ

الفرزدق:

أروحُ بتسليمٍ عليك وأغْتَدي ... وحسبُك بالتَّسليم منِّي تقاضِيا

كفَى بطِلاب المرءِ ما لا ينالُهُ ... عَناءً وباليأسِ المبرِّحِ شافيا

هذا مثل قول الآخر:

وإذا طلبتَ إلى كريمٍ حاجةً ... فلقاؤُهُ يكفيكَ والتَّسليمُ

ومثله قول أبي تمَّام الطَّائيّ:

وإذا الجودُ كانَ عَوني على المرْ ... ءِ تقاضيتُهُ بتركِ التَّقاضي

جميل بن مَعمر:

ولو أرسلَتْ نحوي بُثينةُ تبتَغِي ... يَميني وإنْ عَزتْ عليَّ يميني

لأعطيتُها ما جاءَ يَبْغي رسولُها ... وقلتُ لها بعدَ اليمينِ سَليني

سلِي بعضَ مالي يا بثين فإنَّما ... يُبيَّنُ عند المال كلُّ ضَنينِ

أمَّا هذا الشاعر فقد خبَّرنا أنَّ جوارح بِنتيه أهونُ عنده من بعض ماله.

وقريب منه:

إذا شئت أنْ تلقَى أخاكَ معبِّساً ... وجَدّاهُ في الماضِين كعبٌ وحاتمُ

فكشِّفْهُ عمَّا في يدَيه فإنَّما ... يُبيِّنُ أخلاقَ الرِّجال الدَّراهمُ

قال لنا أبو بكر محمد بن أحمد بن منصور النَّحويّ، رحمه الله، قال لي أحمد بن عبيد، قال لي أبو عكرمة الضَّبِّيّ: أحسن ما قيل في التحريض على طلب الثَّأر قول الثعر العقيليّ:

تبعتْ بياضَ السَّيف حتَّى ركبْته ... ولَلْموتُ من لَوم العشيرةِ أروحُ

رأيتُكما يا ابني أخي قد سمِنْتُما ... وما يدركُ الأوتارَ إلاَّ الملوَّحُ

وأُمُّكما قد رابَني أنْ رأيتُها ... تخضِّبُ أطرافَ البَنان وتمزحُ

وتكحلُ عينَيْها وتصبغ ثوبَها ... وتسألُ عن خُطَّابها أين تنكِحُ

وبالرَّمْل محمود السَّجيَّة ماجدٌ ... إذا راحت الفتيانُ لا يتروَّحُ

وأحسن ما قيل في التسليم للقضاء بعد الاجتهاد قول الطّرمّاح اليربوعيّ:

تقدَّمَ حتَّى لم يجدْ مُتقدَّماً ... وعضَّ به دهرٌ فعضَّ وصمَّما

ولمَّا رأَى أنَّ الأسَى غيرُ دافعٍ ... عن المرءِ مقدوراً من الأمرِ سلَّما

وأحسن ما قيل في مدح الإبل والرّدّ على من يذمّها وينسبها إلى التَّفريق قول جِران العَود:

بأخْفافها يدنو الفتَى من حبيبه ... وتُبعدُهُ إن أذهلتْهُ الشَّدائدُ

يكونُ على أكوارها هجعةُ السُّرَى ... وأذْرعُها عند الصَّباحِ وسائدُ

أمَّا قوله: " وأذرعها عند الصَّباح وسائد " فمليحٌ ومثله قول زهير:

وتَنوفةٍ عمياءَ لا يجتازُها ... إلاَّ المشيِّعُ ذو الفؤاد الهادِي

قفرٍ هجعتُ بها ولستُ براقدٍ ... وذراعُ مُلقيةِ الجِران وِسادي

وقريب من هذا المعنى وإن لم يكن هو بعينه لأنه لم يذكر إغفاءه على ذراع الناقة بل على الحجر لما هو فيه من مقاساة الحرب وما يلحقه من الشَّقاء والبؤس قول الحَريش:

لبْدي فراشٌ إذا ما آنَسوا فزَعاً ... وتحتَ رأسي إذا ما نوَّموا حجَرُ

وعن شمالي خَشيبٌ ما يفارقُني ... عضْبٌ مهَزَّتُهُ ذو رونقٍ ذكَرُ

يَبري الحديدَ ويحمينِي إذا هجعتْ ... عنِّي العيونُ جوادٌ قارحٌ يسَرُ

وطامحُ الطَّرف لا يُكْدِي عُلالَته ... يزداد جَرياً إذا ما ابتلَّتِ العُذَرُ

زَين الفِناءِ أسيل الخدّ يخفرهُ ... رِجْلان حُنِّبتا والبطنُ مضطمرُ

نَهد المَراكل مخموص الشَّوى عتِدٌ ... فيه ليانٌ وفي يوم الوغَى أشَرُ

بذاكَ أشهدُ يومَ الرَّوعِ إذ سجَرتْ ... سَبَلُ الغَمام وضاقَ الوردُ والصَّدرُ

وهزهزَ القومُ والأصواتُ غمغمةٌ ... وجالتِ الخيلُ والأرواحُ تُبتدَرُ

فلا لَجاءٌ ولا منجًى لِذي حِيَلٍ ... إلاَّ السَّوابقُ والهنديَّةُ البُتُرُ

مثله لابن خازم:

أزالَ عظمَ ذراعي عن مُركَّبه ... حَملُ الرُّدَينيّ والإدْلاجُ في السَّحَرِ

حولين ما اغتمضتْ عَيني بمنزلةٍ ... إلاَّ وكفِّي وسادٌ لِي على الحجرِ

وفي ضدّ المعنى الأوَّل الَّذي أتينا بهذه النظائر بعده وهو الَّذي مُدحت به الإبل قول الآخر في ذمِّها:

ما المطايا إلاَّ المنايا وما فرَّ ... قَ شيءٌ فراقَها الأحْبابا

ظلَّ حاديهمُ يسوقُ برُوحي ... ويَرَى أنَّه يسوقُ الرِّكابا

ومثله قول أبي الشِّيص وقد أجاد فيه:

ما فرَّقَ الأحبابَ بعْ ... دَ الله إلاَّ الإبلُ

والنَّاسُ يلحَون غُرا ... بَ البَين لمَّا جَهِلوا

وما على ظهرِ غُرا ... بِ البَين تُمطَى الرِّحَلُ

ولا إذا صاحَ غُرا ... بٌ في الدِّيارِ احتَمَلوا

وما غرابُ البَين إ ... لاَّ ناقةٌ أو جمَلُ

والأشعار الَّتي في ذمّ الإبل للفُرقة أصحُّ منها في مدحها.

مسعود بن سنان بن أبي حارثة المُرّيّ وكان شريفاً شجاعاً وحضر باب بعض الملوك فأخَّرَ الحاجب إذنه وأذن لغيره ممَّن هو دونه فقال:

ما بالُ حاجِبنا يعتام بِزَّتَنا ... وليس للحسبِ الزَّاكي بمُعتامِ

يدعو أمامي رِجالاً لا يُعَدُّ لهم ... جَدٌّ كجدِّي ولا عمٌّ كأعمامِي

لو كانَ يدعو على الأحساب قدَّمني ... مجدٌ تليدٌ وجدٌّ راجحٌ نامِ

متى رأيتَ الصُّقورَ الجُدل يَقدمُها ... خِلطانِ من رَخَمٍ فُرْعٍ ومن هامِ

عمير بن نائرة الجُهنيّ:

سَقياً لعهد لَيالي الهَضْب من شَطِبٍ ... وعهدِ أيَّامه من عهدِ أيَّامِ

وما سُليمَى وإنْ جُنَّ الفؤادُ بها ... عصراً وطالَ بها وَجْدي وتَهْيامي

إلاَّ كعصماءَ مَرعاها ذُرَى شَعَفٍ ... تُحمَى طرائدُهُ من ذاتِ إبرامِ

تَرمي القلوبَ فما تشوِي رَميّتُها ... شيئاً رَمَتهُ وما يصطادُها الرَّامِي

عروة بن الورد:

ولا تشتُمنِّي يا بن عَمرو فإنَّني ... تعودُ على مالي الحقوقُ العوائدُ

ومَن يؤثِرِ الحقَّ النَّؤوبَ يكنْ له ... حُشاشة جسمٍ وهْو طيَّانُ ماجدُ

وإنِّي امرؤٌ عافي إبائيَ شِركةٌ ... وأنتَ امرؤٌ عافى إنائك واحدُ

أُقسِّمُ جِسمي في جسومٍ كثيرةٍ ... وأحْسُو قَراح الماءِ والماءُ باردُ

أوس بن حجر:

فلا وإلهي ما غدرتُ بذمَّةٍ ... وإنَّ أبِي قبلي لغيرُ مُذمَّمِ

يجودُ ويُعطي المالَ من غير ذَمَّةٍ ... ويخطِمُ أنفَ الأبلخ المتغشِّمِ

يجرِّدُ في السّربال أبيضَ ماجداً ... مُبيناً لِعين النَّاظرِ المتوسِّمِ

يقول فيها:

تركتُ الخبيثَ لم أُشاركْ ولم أذقْ ... ولكنْ أعفَّ اللهُ مالي ومَطعمي

وعندي قروضُ الخير والشَّرِّ كلِّه ... فبؤسَى بؤسَى ونُعمَى لأنعُمِ

بَنيَّ ومالي دون عِرضي وقايةٌ ... وقولي كوقع المشرفيِّ المصمِّمِ

نمير بن ماجد الغنويّ:

أبْلغ لدَيك بني لأم مُغلغلةً ... قد كنتُ أعهدُكم من معشرٍ قَزَمِ

ما بالُ ظلْمهم مثلي وما ظلَموا ... مثقالَ خردلةٍ في سالفِ الأُممِ

أصابَني معشرٌ ليست دِماؤُهم ... تُوفِي بأحساب أهل المجدِ والكرمِ

تَرْكي طِلابَهم عارٌ وقتلُهم ... كأكْلِك الغثَّ لا يَشفي من القَرَمِ

أمَّا قوله: " ما بال ظلمهم مثلي " البيت، فمثل قول النجاشيّ:

قُبَيِّلَةٌ لا يغدرون بذمَّةٍ ... ولا يظلمون النَّاسَ حبَّةَ خردلِ

وهذا البيت والَّذي قبله من ممضّ الهجاء وشديده، وقد ذكرنا أبيات النّجاشيّ هذه وما تكلَّم فيها عمر بن الخطاب رضي الله عنه وصرفها عن الهجاء إلى المدح بما نحن مستغنون عن إعادته هنا.

وأمَّا قوله: " تركي طلابهم عارٌ " البيت، فمثل قول الآخر:

نيك العجوز كلحم الغثّ تأكلُه ... لا تشتَهيه ولا يشفيك من قَرَمِ

وأمَّا قوله: " أصابني معشر ليست دماؤهم " البيت، فقد استغرقنا نظائره فيما تقدّم.

قيس بن زهير العبسيّ وهو الحازم:

تعرَّفْنَ من ذبيان من لو لقِيتُهُ ... بيوم حفاظٍ طارَ في لَهَواتي

ولو أنَّ سافِي الرِّيح يجعلكم قذًى ... لأعيُنِنا ما كنتمُ بقَذاتِ

مثله للحارث بن عُبادٍ:

ما كانَ جمعهمُ في عرضِ سَوْرَتنا ... إلاَّ ذُباباً هوَى فاقْتَمَّه الأسَدُ

وأخذ البيت الأول من ذينك البيتين البحتريّ لفظاً ومعنًى فقال:

يَجري ليدخلَ في غبار تسرُّعي ... من ليسَ يَعشُرُ في الرِّهانِ أناتِي

ويَذِيمُني مَن لو ضَغَمتُ قبيلَه ... يومَ الفخار لطارَ في لَهَواتِي

وهذا من أقبح أخذِ البحتريّ لأنَّه لم يقتصر على المعنى دون اللفظ بل تناولها جميعاً.

مَرثد بن الحارث:

وخيلٍ تُنادِي للطِّعانِ شهدتُها ... فأكرهتُ فيها الرُّمحَ والجمعُ مُحجِمُ

وأفلَتَني نعمانُ فوتَ رِماحنا ... وفوق قطاة الرّمح أزرقُ لِهْذِمُ

وهذا مثل قول الآخر:

ولَّوا وأرماحُنا حقائبُهم ... نُكرِهُها فيهمِ وتَنْأَطِرُ

وقال سلمة بن مرَّة الشَّيباني، وكان أسَر امرأ القيس بن عمرو، وكان سلمة بن مرَّة قصيراً دميماً، فأطلق امرأ القيس على الفدَى ثمَّ جاء إليه يطلبه منه فنظرت إليه ابنته فاستزرته وقالت: أهذا الَّذي أسرَ أبي وهو على ما أرى في الدَّمامة والقِصر، فسمع ذلك سلمةُ فقال:

ألا زعمتْ بنتُ امرئ القيس أنَّني ... قصيرٌ وقد أعيا أباها قصيرُها

ورُبَّ طويلٍ قد نزعتُ سِلاحَهُ ... وعانقتُهُ والخيلُ تدمَى نحورُها

وقد علمتْ خيلُ امرئ القيس أنَّني ... كررْتُ ونارُ الحربِ تغلِي قُدورُها

ولو شهِدتْني يومَ ألقيتُ كَلْكي ... على شيخها ما اشتدَّ منِّي نُكورُها

أبو الوليد الأنصاريّ:

فإنْ لم أُحقِّقْ ظنَّهم بتيقُّنٍ ... فلا سقتِ الأوصالَ منِّي الرَّواعدُ

ويعلَم أكفائي من النَّاس أنَّني ... أنا الفارسُ الحامِي الذِّمارَ المُناجدُ

وأنْ ليسَ للأعداءِ عندي غَميزةٌ ... ولا طافَ لي منهم بوحشيِ صائدُ

وأنْ لمْ يزلْ لي منذُ أدركتُ كاشحٌ ... عدوٌّ أُقاسيهِ وآخرُ حاسدُ

وله أيضاً:

أولئك قومِي فإنْ تسألي ... كرامٌ إذا الضَّيفُ ليلاً ألَمْ

عظامُ القُدور لأيسارِهم ... يكُبُّونَ فيها المسنَّ السَّنيمْ

يُواسونَ مولاهمُ في الغِنَى ... ويجمعونَ جارهُمُ إنْ ظلمْ

وله أيضاً:

فإنْ تكُ ليلَى قد نأتْك دِيارُها ... وضنَّتْ بحاجات الفؤاد المتيَّمِ

فما حبلُها بالرَّثِّ عندي ولا الَّذي ... يغيِّرُهُ نأيٌ وإنْ لم تكلَّمِ

لعمرُ أبيكِ الخيرِ ما ضاعَ سرُّكم ... لديَّ فتَجْزيني بِعاداً وتَصْرِمي

ولا ضقتُ ذرعاً بالهوَى إذ ضمنتُهُ ... ولا كُظَّ صدري بالحديث المكتَّمِ

فإنْ كنتِ لمَّا تَخْبُرينا فسائلي ... ذوي العلمِ عنَّا كَي تُنَبَّيْ وتعلَمي

لعمركِ ما المعترُّ يأتي بلادَنا ... لنمنعهُ بالضائع المتهضَّمِ

ولا ضيفُنا عند القِرَى بمدفَّعٍ ... ولا جارُنا في النَّائباتِ بمسْلَمِ

وما السَّيِّدُ الجبَّارُ حينَ يريدُنا ... بكيدٍ على أرماحِنا بمحرَّمِ

نُبيحِ حِمَى ذي العِزّ حتَّى نكيدَهُ ... ونحمِي حِمانا بالوشيج المقوَّمِ

ونحنُ إذا لم يُبرمِ النَّاسُ أمرَهُم ... نكونُ على أمرٍ من الحقِّ مبرُمِ

وأمَّا قوله: " وما السيد الجبار " البيت، فمثل قول عنترة ولا ندري أيّهما أخذ من صاحبه:

فشككْتُ بالرّمحِ الأصمِّ ثيابَهُ ... ليسَ الكريم على القَنا بمحرّمِ

وهو شبيه بقول بعض بني تغلب:

نُعاطِي الملوكَ الحقَّ ما قصدوا بنا ... فليسَ علينا قتلُهم بمحرَّمِ

ولنا بيت مثله من قصيدة في أهل البيت، عليهم السَّلام، نُخاطب بها مولانا الحسين عليه السَّلام:

بِك صارَ عنترُ صادقاً في قوله ... ليس الكريمُ على القَنا بمحرَّمِ

وهذا من جيّد التَّضمين ونادره.

وللأنصاريّ:

ألم تذَرِ العينُ تَسهادَها ... وجَرْيَ الدُّموع وإنفادَها

تذكَّرُ شعثاءَ بعدَ النَّوَى ... ومُلقَى خيام وأوتادَها

فإمَّا هلكتُ فلا تنكِحي ... خَذولَ العشيرة حَسَّادَها

برَى مدحهُ شتمَ أعراضها ... سَفاهاً ويُبغضُ من سادَها

وإنْ عاتَبوه على مِرّةٍ ... ونابتْ مُبيَّتةٌ زادَها

وأحملُ إنْ مَغرَمٌ نابَها ... وأضربُ بالسَّيف مَن كادَها

أهزُّ القَنا في صُدورِ الكُما ... ةِ حتَّى أُكسِّرُ أعوادَها

سأُوتِي العشيرةَ مِيعادَها ال ... كريمَ وأُكْذِبُ إيعادَها

ومثل هذا البيت قول الآخر:

وإنِّي وإنْ أعدْتُهُ أو وَعدتُهُ ... لمخلفُ إيعادِي ومُنجزُ مَوعِدي

وله أيضاً يهجو:

أبلِغْ هَوازنَ أعلاها وأسفلَها ... أنْ لستُ هاجِيها إلاَّ بما فيها

قبيلةٌ ألأمُ الأحياء أكرمُها ... وأغدرُ النَّاس بالجِيران وافِيها

وشرُّ مَن يحضُر الأمصارَ حاضرُها ... وشرُّ بادِية الأعراب بادِيها

تبلَى عظامهمُ في القبرِ إنْ دُفنوا ... تحتَ التُّرابِ ولا تبلَى مَخازيها

كأنَّ أسنانَهم مِن خُبثِ طِعمَتِهم ... أظفارُ خاتنةٍ كلَّت مَراسيها

عمرو بن براقة:

ناديتُ هَمْدانَ والأبوابُ مغلقةٌ ... ومثلُ هَمْدانَ سنَّى فتحةَ البابِ

كالهِندُوانيّ لم تُفللْ مضاربُهُ ... وجهٌ جميلٌ وقلبٌ غيرُ وجَّابِ

زيد بن جُندب الخارجيّ لمَّا وقع الخُلف بين أصحاب قَطَريٍّ:

قلْ للمحلِّينَ قد قرَّتْ عيونكمُ ... بفُرقة الحقِّ والبغضاء والهَرَبِ

كنَّا أُناساً على دِينٍ ففرَّقنا ... قَدْعُ الكلام وخلطُ الجِدّ باللَّعبِ

إنِّي لأهوَنُكم في الأرضِ مُضطرباً ... مالِي سوَى فَرَسي والرُّمح من نَشَبِ

هرم بن عمير التغلبيّ:

إنِّي امرؤٌ هدمَ الإقتارُ مأثُرتي ... واجتاحَ ما بنَتِ الأيَّامُ من خَطَري

أرُومةٌ عطَّلتْني من مكارمِها ... كالقوس عطَّلها الرَّامي من الوَتَرِ

نَهَى قلوبَ الغواني عن مُواصَلَتي ... ما يفجأُ العينَ من شَيبي ومن قِصَري

أمَّا قوله: " أرومة عطَّلتني " البيت، فأخذه البحتريّ وجوَّده بقوله:

والصُّنع إذ يرتجيه آمِلُه ... مُرْجًى إلى أن يسوقَهُ قَدَرُهْ

أُخرى: مُرْبًى:

كالسَّهم لا يكتفي بوحدتِهِ ... القانصُ حتَّى يُعينَه وَتَرُهْ

وأخذه آخر فقال:

يا كاسرَ الطَّرف على ... كُحلٍ وسِحرٍ وحَوَرْ

أفْردتَني والقوسُ لا ... تصلحُ إلاَّ بوَتَرْ

مطرِّف بن جَعْوَنة الضَّبِّيّ:

لقد كنتَ في قومٍ عليك أشِحَّةٍ ... بنفسك إلاَّ أنَّ من طاحَ طائحُ

مثله للمشرك الموصليّ:

يَودُّون لو خاطُوا عليك جلودَهم ... ولا يدفعُ الموتَ النُّفوسُ الشَّحائحُ

ودونه في المعنى قول العلويّ الكوفيّ:

أيَّامَ كنتُ من الغوا ... ني كالسَّواد من القلوبِ

لو يستطعْنَ خَبأنَني ... بين المخَانق والجيوبِ

وفي ضدّ هذا المعنى قول بشَّار:

وصاحبٍ كالدُّمَّل المُمِدِّ ... حَمَلتهُ في رقعةٍ من جِلدي

طفيل الغنويّ:

ولستُ بمندمجٍ في الفِرا ... شِ رَجَّابةٍ يَحْتَمي أن يُجيبا

ولا ذِي هَماهِمَ عند الحياضِ ... إذا ما الشَّريبُ أربَّ الشَّريبا

الأحنف بن قيس:

أنا ابنُ الزَّافِرِيَّة أرْضَعَتني ... بثدْيٍ لا أجدَّ ولا وخيمِ

أتَمَّتْني ولم تنقُصْ عظامِي ... ولا صوتِي إذا اصطكَّ الخصومُ

متيم بن عمرة النَّهشليّ:

أولئك قومِي باركَ اللهُ فيهمُ ... على كلِّ حالٍ ما أعفَّ وأكرَمَا

جُفاةُ المحَزّ لا يصيبونَ مفصِلاً ... ولا يأكلونَ اللَّحمَ إلاَّ تخذُّما

يقول: هم ملوك ولهم كفاةٌ فهم لا يحسنون تقطيع اللحم ولا غيره ممَّا يؤكل، وهذا الوصف لغير الملوك ذمٌّ لأنَّهم يصفون الرّجل الحازم بفَلّة الحزّ وإصابة المفصِل، وما يريدون في هذا الفصل أيضاً اللحم بل هي استعارةٌ حسنةٌ، ومثل المعنى الَّذي ذكرناه قول الآخر:

يَبيع ويَشتري لهمُ سواهُم ... ولكنْ بالرِّماحِ همُ تَجارُ

ومن المعنى المتقدّم في إخطاء المفصل في اللَّحم دون غيره قول طَرَفة:

وصُلْع الرّءوس عِظام البطونِ ... جُفاةُ المحَزِّ غلاظُ القَصَرْ

ذكر أنَّ لبس البيض والمغافر ومداومتهم لذلك قد صلع رؤوسهم كما قال الخزرجيّ أبو قيس بن الأسلت:

قد حصَّتِ البيضةُ رأسي فما ... أطعَمُ غَمضاً غيرَ تهجاعِ

وقوله: " عظام البطون غلاظ القصر " فهو مدح للملوك وذمٌّ للصعاليك والفرسان، ومن المعنى المتقدّم قول الآخر:

من آل المُغيرة لا يَشهدو ... نَ عند المَجازر لحم الوضَمْ

ومثله:

لا يمسكُ المالَ إلاَّ ريثَ يُرسلُهُ ... ولا يلاطمُ عند اللَّحم في السُّوقِ

وقريب منه:

ليسَ براعِي إبلٍ ولا غَنَمْ ... ولا بجزَّارٍ على ظَهر وَضَمْ

مثله للشَّنفرَى:

وكفّ فتًى لم يعرفِ السَّلْخَ قبلها ... تجورُ يداه في الإهاب وتخرجُ

زهير بن أبي سُلمى:

وذي خَطَلٍ في القولِ تحسِب أنَّه ... مُصيتٌ فما يُلممْ به فهْوَ قائلُهْ

عَبأتَ له حِلماً وأكرمتَ غيرهُ ... وأعرضتَ عنهُ وهْوَ بادٍ مَقاتلُهْ

عمرو بن كلثوم:

وكنتُ امرأً لو شئتَ أنْ تبلغَ النَّدى ... بلغتَ بأدنَى نعمةٍ تستديمُها

ولكنَّ فطامُ النَّفس أثقلُ محمِلاً ... من الصَّخرةِ الصَّمَّاء حين ترومُها

مثله:

وشديدٌ عادةٌ مُنْتَزَعَهْ

العُجير السَّلوليّ يصف نفسه بالخَطابة:

ومنهنَّ قرعِي كلَّ بابٍ كأنَّما ... به القومُ يَرجونَ الأذِينَ نُسورُ

فجئتُ وخصمِي يصرفونَ نُيوبَهم ... كما قُصِّبَتْ بين الشِّفار جَزورُ

لدَى كلَّ موثوقٍ به عند مثلِها ... له قَدَمٌ في النَّاطقينَ خطيرُ

جَهيرٌ وممتدُّ العنان مُناقلٌ ... بصيرٌ بعوراتِ الكلامِ خَبيرُ

لوَ أنَّ الصُّخورَ الصُّمَّ يسمعنَ صوتَهُ ... لرُحنَ وفي أعراضهنَّ فطُورُ

مثله لعوانة بن ميمون القينيّ:

ألا ليتَ أُمَّ الجَهْم واللهُ سامعٌ ... رأتْ حيثُ كانت بالعراقِ مَقامِي

عشيَّةَ عنَّ النَّاسَ صَمتي ومَنطقي ... وبذَّ كلامَ النَّاطقينَ كلامِي

مثله لخلف الأحمر يمدح خطيباً:

له حنْجَرٌ وحبٌ وقولٌ منقَّحٌ ... وفصلُ خطابٍ ليس فيه تشادُقُ

إذا كانَ صوتُ المرء خلفَ لهاتِهِ ... وأنحَى بأشداقٍ لهنَّ شقاشِقُ

وقبقبَ يحكي مُقرَماً في هِبابِه ... فليسَ بمسبوقٍ ولا هو سابقُ

مثله أو قريب منه:

وإذا خطبتَ على الرِّجال فلا تكنْ ... خَطِلَ الكلامِ ولا تكنْ مُختالا

واعلمْ بأنَّ من السُّكوت لَبانَةً ... ومن التَّكلُّف ما يكونُ خَبالا

مرداس بن عامر:

تمنَّى أبو العَفَّاق عندي هَجمةً ... تسهِّلُ مأوَى كيلِها بالكلاكلِ

ولا عَقلَ عندي غيرُ طعنِ نوافذٍ ... وضربٍ كأشداق الفِصال الهَوادلِ

وسبٍّ يودّ المرءُ لو ماتَ قبلَهُ ... كصَدْع الصَّفا فلَّقتهُ بالجنادِلِ

سُويد بن أبي كاهل ونظنّها لغيره:

أبا ضُبَيعةَ لا تعجِلْ بسيِّئةٍ ... إلى ابْن عمِّكَ واذْكرْهُ بإحسانِ

إمَّا ترَاني وأثوابي مُقاربةٌ ... ليستْ بخزٍّ ولا من نَسْج كتَّانِ

فإنَّ في المجدِ هَمّاتي وفي لُغَتي ... عُلْوِيَّةٌ ولِساني غيرُ لحَّانِ

الأسْلَع الطُهَويّ:

فداءٌ لقومِي كلُّ معشَر جارِمٍ ... طريدٍ ومخذول بما جرَّ مُسلَمِ

همُ ألْجَموا الخصمَ الَّذي يستَضِيمُني ... وهم فَصموا حِجْلي وهم حقَنوا دَمِي

بأيدٍ يفرِّجْنَ المَضيقَ وألسُنٍ ... سلاطٍ وجمْعٍ ذي زُهاءٍ عرمرَمِ

إذا شئتَ لم تعدمْ لدَى الباب منهمُ ... جميلَ المُحيَّا واضحاً غيرَ توأمِ

ابن رِبْعٍ الهذليّ عبد مناف:

أعَينِي ألا أبكِي العامريَّ فإنَّه ... وَصولٌ لأرحامٍ ومِعطاءُ سائلِ

فأُقسمُ لو أدركتُهُ لَحَميتُهُ ... وإنْ كانَ لم يتركْ مقالاً لقائلِ

وقافيةٍ قِلتْ لكم لم أجدْ لها ... جَواباً إذا لم تَضْرِبوا بالمناصِلِ

فأنطقَ في حقٍّ بحقٍّ ولم يكنْ ... ليرْحَضَ عنكم قالةَ الخِزْيِ باطِلِي

هذا مثل قول الآخر، عمرو بن معد يكرب:

فلو أنَّ قومِي أنْطَقَتْني رِماحُهم ... نطقتُ ولكنَّ الرِّماحَ أجرَّتِ

أبو الأسود القريعيّ ورُويت لغيره:

فتى مثلُ صفو الماء ليس بباخلٍ ... عليك ولا مُدْلٍ ملاماً لباطلِ

ولا قائلٍ عوراءَ تُؤذي رفيقَه ... ولا رافعٍ رأساً بعوراءِ قائلِ

ولا مُسلمٍ مولًى لأمرٍ يضيمُهُ ... ولا مُخلطٍ مُصيباً بباطِلِ

ولا رافعٍ أحدوثةَ السَّوء مُعجباً ... بها بين أيدي المجلسِ المتقابلِ

أعرابيّ:

فإنْ أهلِكْ فقد أبقيتُ بعدِي ... قوافيَ تُعجبُ المتمثِّلينا

<<  <   >  >>