للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

بأهلها، بل لما يخاف عليهم من الفتنة، وإنما تكون الفتنة إذا انعقد سببها، فلولا أن يحصل عند القبور ما يخاف الافتتان به لما نهي الناس عن ذلك. وكذلك ما يذكر من الكرامات وخوارق العادات التي توجد عند قبور الأنبياء والصالحين، مثل نزول الأنوار والملائكة عندها، وتوقي الشياطين والبهائم لها، واندفاع النار عنها وعمن جاورها - إلى أن قال - فجنس هذا حق١ وليس مما نحن فيه إلى أن قال وكل هذا لا يقتضي استحباب الصلاة عندها ولا قصد الدعاء والنسك عندها لما في قصد العبادات عندها من المفاسد التي علمها الشارع كما تقدم - قال - فذكرت

هذه الأمور لأنها مما يتوهم معارضتها لما ذكرنا، وليس كذلك.

واحتج المعترض بالحكاية التي ذكرها القاضي عياض في الشفاء: أن الإمام مالكا رحمه الله تناظر مع أبي جعفر المنصور، فقال مالك: يا أمير المؤمنين إن الله أدب أقواما فقال {لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} [الحجرات:٢] . ومدح قوما فقال: {إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى} [الحجرات:٣] .

وإن حرمته ميتا كحرمته حيا. فاستكان لها أبو جعفر وقال: يا أبا عبد الله أستقبل القبلة أم أستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال مالك: ولم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم، بل استقبله وتشفع به. ثم قرأ {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} [النساء"٦٤] ٢.


١ في هامش "ط" ما نصه "قوله رحمه الله فجنس هذا حق يعني وقوعه ثابت ليس مراده أنه صواب".
٢ قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: " وهذه الحكاية منقطعة فإن محمد بن حميد الرازي لم يدرك مالكا ولاسيما في زمن أبي جعفر المنصور، فإن أبا جعفر توفي بمكة سنة ثمان وخمسين ومائة، وتوفي مالك سنة تسع وسبعين ومائة، وتوفي محمد بن حميد الرازي سنة ثمان وأربعين ومائتين، ولم يخرج من بلده حين رحل في طلب العلم إلا وهو كبير مع أبيه، وهو مع هذا ضعيف عند أكثر أهل الحديث. كذبه أبو زرعة وابن واره وقال صالح بن محمد الأسدي:

<<  <   >  >>