للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وأحمد مثل ذلك، واحتجوا بهذه الحكاية التي لا يثبت بها حكم شرعي، لاسيما مثل هذا الأمر العظيم الذي لو كان مشروعا مندوبا لكان الصحابة والتابعون أعلم به وأعمل به من غيرهم، بل قضاء الله حاجة هذا الأعرابي وأمثاله له أسباب قد بسطت في غير هذا الموضع. وليس كل من قضيت حاجته بسبب يقتضي أن يكون ذلك السبب مشروعا مأمورا به. فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل في حياته المسألة فيعطيها لا يرد سائلا وتكون المسألة محرمة في حق السائل، حتى قال: "إني لأعطي أحدهم المسألة فيخرج بها يتأبطها نارا " قالوا: يا رسول الله، فلم تعطيهم؟ قال: "يأبون إلا أن يسألوني ويأبى الله لي البخل" ١.

قال: وقد يفعل الرجل العمل الذي يعتقده صالحا ولا يكون عالما أنه منهي عنه، فيثاب على حسن قصده ويعفى عنه لعدم علم، وهذا باب واسع.

قوله رحمه الله في أول كلامه: وهذا الذي ذكرناه عن السلف ومالك يبين حقيقة الحكاية المأثورة عنه.

فالكلام الذي أشار إليه قوله قبل ذلك: واتفق الأئمة على أنه إذا دعا بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم لا يستقبل قبره [وتنازعوا عند السلام عليه، فقال مالك وأحمد وغيرهما إنه يستقبل قبره] ٢ ويسلم عليه وهو الذي ذكره أصحاب الشافعي، وأظنه منصوصا عنه. وقال أبو حنيفة بل يستقبل القبلة ويسلم عليه. هكذا في كتب أصحابه. وقال مالك فيما ذكره إسماعيل بن اسحاق في المبسوط والقاضي عياض وغيرهما: لا أرى أن يقف عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم


١ أخرجه الإمام أحمد في المسند "٣ / ٢١" والحاكم في المستدرك "١ / ٤٦" وذكره الهيثمي في المجمع "٣ / ٢٥٥" وقال: رواه أحمد وأبو يعلى والبزار بنحوه ورجال أحمد رجال الصحيح، كلهم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: قلت: وأخرج نحوه مسلم "٢٤٢٥" عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
٢ ما بين المعكوفين سقط من "ط".

<<  <   >  >>