وهكذا كل نبي من أنبياء الله تعالى كانت معجزته من النوع الذي برع فيه قومه، ولما كان العرب ليس لهم إلا اللسان، والمقدرة الكاملة على البيان، والرفعة المشهودة في جودة التعبير، كانت المعجزة التي جاءت متحدية لهم من جنس ما برعوا به، ولما كانت الرسالة المحمدية خاتم الرسالات، وكانت ستبقى إلى آخر الدنيا تشهد تقدم الإنسان في العقل والتفكير والعلم، حتى يملك ناصيته، كان لابد أن تكون هذه المعجزة مستمرة مع الدعوة في كل عصر، تمد الدعاة بأنواع من المعجزات توافق كل عصر يظهرونها للناس حتى يؤمنوا بصدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم.
ولقد بين الله تعالى في كتابه العزيز أن ما امتاز به رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم على غيره من البشر الذين يعيشون فوق هذه الأرض إنما هو الوحي الذي يصله برب السموات والأرضين، قال تعالى {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ}[الشورى: ٥٢-٥٣] .
وقال-جل ذكره-: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً}[الكهف: ١١٠] فذكر الله تعالى أن محمداً صلى الله عليه وسلم لا يفترق عن البشر إلا بالوحي الذي يصله برب السماء، هذا الوحي الذي يأتيه من إله الكون الذي بيده ملكوت كل شيء، فهو سبحانه الذي يُعلِّمه من علمه، ويُلْقي في قلبه هذه العلوم التي تفيض على لسانه حقائق لا يستطيع أحد أن يأتي بمثلها في زمن خيَّم عليه الظلام والجهل،