لو تصورنا الأمة العربية تسير عبر العصور، وكر الدهور على ما كانت عليه قبل نزول القرآن الكريم، لرأيناها أمة قابعة في زاوية النسيان من تاريخ الإنسانية فضلاً عن مسير الحضارات، منزوية في جزيرتها التي تغطيها الرمال، تعيش عالة على غيرها من الأمم المجاورة، يظهر فيها أهل الذكاء والفطنة والكياسة والفهم، فيذوب ذكاؤهم وتنطفئ فطنتهم، وتضيع كياستهم، ويطيش فهمهم في العصبية الجاهلية، والصراعات القومية، والعقائد الوثنية، دون أن يكون لهؤلاء أثر يُذْكر، اللهم إلا في نصيحة يبديها أحدهم بترك قومه ما هم عليه من الصراع الدامي، ولأم الصدع، وتجميع الكلمة، ودفع دية القتلى، والإصلاح بين الجهات المتناحرة، ثم يعود الأمر إلى ما كان عليه، فلما جاء القرآن العظيم جعل أمة العرب أمة تقود الأمم، وتأخذ بأيديها إلى ما فيه صلاحها في الدنيا والآخرة، وأصبح الرجل الفطن في الأمة العربية رجل العالم يعرفه كل الناس، ويتحدثون عنه، ويتناقلون حديثه عبراً في تاريخ الإنسانية قاطبة، وأصبح مثالاً لما برز فيه من المجالات، كل ذلك لأنه