للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

إلى كون المدينة المنورة دار مقام النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة من بعده، فكانت بذلك منبع السنة النبوية قولا تلقاه التابعون من أفواه الصحابة وعملا توارثوه عنهم، وأما الصحة فلأنَّ أصح طرق السنن ما يرويه أهل الحرمين مكة والمدينة، فإن التدليس فيهم قليل، والاشتهار بالكذب ووضع الحديث عندهم عزيز، كما قال الخطيب البغدادي (١) :

"وربما كان السبب في تخصيص أبي بكر دون غيره من أهل المدينة راجعاً بالإضافة إلى كونه أميرا عليها إلى ما كان يمتاز به من مؤهلات مهمة فاق بها غيره، حيث كان تابعيا فقيها ضليعا في علم القضاء، بل لم يكن عند أحد بالمدينة من القضاء ما كان عنده، وكانت له خبرة بالسيرة النبوية، ويصفه الإمام مالك فيقول: "ما رأيت مثل أبي بكر بن حزم أعظم مروءة ولا أتم حالا ولا رأيت مثل ما رأى" (٢) ، وكانت خالته هي عمرة بنت عبد الرحمن، وقد أخبر الإمام مالك أن عمر أمره بجمع الحديث من عند خالته هاته والقاسم بن محمد بن أبي بكر (٣) ، ومن المؤكد أن ذلك لم يكن من نافلة القول وإنما لعلم عمر بمكانة عمرة في حفظ الحديث وروايته، فهي المدنية التابعية الثقة التي كان يقول عنها عمر نفسه: "لم يبق أحد أعلم بحديث عائشة من عمرة" وكانت هي والقاسم وعروة أثبت الناس في حديث عائشة (٤) ، وكانت عائشة كما هو معلوم من بين السبعة المكثرين عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكان القاسم بن


(١) الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ج ١: ٢٨٦.
(٢) انظر ترجمته: في الجرح والتعديل لابن أبي حاتم ج٩: ٣٣٧، سير أعلام النبلاء للذهبي ج٥: ٣١٣، تهذيب التهذيب لابن حجر ج١٢: ٤١.
(٣) تقدمة الجرح والتعديل ص ٢١.
(٤) انظر ترجمة عمرة في تهذيب التهذيب لابن حجر ج١٢: ٤٦٦.

<<  <   >  >>