لا ينبغي تصور أن الحديث عن تدوين السنة النبوية في هذا القرن سيكون حديثا عن قرن جديد بخصائص وحاجات لا تمت إلى المرحلة السابقة بأية صلة، ومن ثم ستكون بينه وبين القرن السابق قطيعة وانفصال، وإنما كان بين هذه القرون كلها اتصال، وكان كل قرن امتداداً للذي قبله، إلا أنه كان من الطبيعي أن تمتاز كل فترة بعناصر جديدة تنضاف إلى القديمة في جانب الأهداف أو الحاجات أو الخصائص؛ لأن المحدثين يبدو وكأنهم كانوا يتوارثون تصورا واضحا بكافة عناصره وغاياته، وما كان يتم تحقيقه في عصر يطوى لإنجاز ما تبقى، ولهذا كانت المصنفات الحديثية مترابطة فيما بينها ترابطا تاما بحيث لا يوجد في المحدثين البتة مَنْ تجاهل أو تجاوز جهود من سبقه، وقد لا نكون هنا في حاجة إلى التذكير بما فعله أصحاب الكتب الستة من تلخيص للكتب السابقة ونقد مادتها بالموازنة مع آلاف الأحاديث المسموعة.
وبناء على ذلك نقول: إن القرن الرابع الهجري يعد من حيث الأهمية امتدادا للقرن الثالث، والمصنفات التي ألفت خلاله تعد مصادر أصيلة للرواية لا مندوحة عنها لطالب مادة الحديث النبوي؛ وذلك لأن تدوين السنة لم يكتمل في القرن الثالث، كما أنه لم يكن الصحيح مقصورا على ما صنف أثناءه.
وإذا كان الحافظ الذهبي قد جعل رأس سنة ثلاثمائة هو الحد الفاصل بين المتقدمين والمتأخرين، فقد أبان الشيخ أبو زهو أن أساسه في ذلك قضية واحدة لا غير، هي الرواية الشفهية فالمتقدمون هم مَنْ عَوَّلوا على هذه