كانت للدارسين على مر العصور عناية خاصة بقضية التدوين وازدادت درجة هذه العناية في العصر الحاضر بشكل كبير، وذلك في غمرة الرد على المستشرقين الذين توقفوا عندها مليا يزرعون من خلال ما يطرحون من شبهات حولها الشك في وثوقية السنة النبوية وصحة أحاديثها مستنفدين كل طاقاتهم في ذلك ومركزين بشكل خاص على المرحلة الأولى مرحلة التدوين.
ومن المهم جداً بناء القضية ومعالجتها بتقدير هذه الإشكالات، وبعد استيعاب كل الاعتراضات واستحضارها، لأن ذلك مما يكسب الدراسة القوة والمتانة، لكن بشرط أن لا يؤثر ذلك سلبا في مستوى البحث والتناول، إذ من شأن الانشغال بالردود أن يرجع بالبحث إلى الوراء، وربما أوقفه بالمرة بعد أن يكون قد قطع مراحل تقترب به من النهاية وتحقيق النتائج.
وعلى هذا الأساس يمكن القول بأن حركة تدوين السنة النبوية سارت على وتيرة تميزت بالسرعة والتطور والمرونة والعبقرية، الأمر الذي جعلها تتفاعل مع الواقع بكامل الوعي واليقظة في الوقت الذي تتجه فيه إلى تحقيق ما تبقى من الأهداف، ومن ثم كان ذلك الثراء والتنوع الرائع في المصنفات على مختلف الأصعدة سواء منها المتعلق بالنقد أو الترتيب أو التبويب أو التراجم أو غير ذلك.