للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ولم يكن يقتصر على المرفوع من قول النبي صلى الله عليه وسلم، بل كان يدون ما جاء عن الصحابة أيضا ملحقا إياه بالسنن فقد روي عن صالح بن كيسان قال: "اجتمعت أنا والزهري ونحن نطلب العلم فقلنا نكتب السنن فكتبنا ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: نكتب ما جاء عن أصحابه فإنه سنة فقلت أنا: ليس بسنة فلا نكتبه، قال: فكتب، ولم أكتب، فأنجح، وضيعت" (١) .

ولاشك أن هذه الرغبة التي لازمت الزهري منذ البداية قد خلفت أثارها على عمله وتدوينه فاتصف هو الآخر بالشمول، إلا أنه شمول في إطار السنن المرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وما في حكمها من أقوال الصحابة، بدليل كتاب عمر ابن عبد العزيز لابن حزم الذي حدد فيه نوعية العلم المرغوب في جمعه حيث قال: "انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أو سُنَّة ماضية أو حديث عمرة" (٢) وهذا يدل على أن مأثور الصحابة لم يكن مقصودا لديه بالتدوين، بل ورد في رواية أخرى ما يرفع احتمال أي شك في هذا حيث قال: "ولا تقبل إلا حديث النبي صلى الله عليه وسلم" (٣) . ويؤيد هذا أيضا ما روي عن ابن وهب حين أخبره مالك بكتاب عمر لابن حزم في جمع الحديث فقال: "قلت لمالك: السنن؟ قال: نعم" (٤) .

ولاشك أن المقصود بالسنن في قول الزهري: "أمرنا عمر بن عبد العزيز


(١) ابن سعد: الطبقات الكبرى ٢: ٣٨٨-٣٨٩– القسم المتمم ص ١٦٨– الفسوي١: ٦٣٧ – مصنف عبد الرزاق ١١: ٢٥٨ تاريخ أبي زرعة١: ٤١٢.
(٢) ابن سعد: الطبقات ٨: ٣٥٣ – الخطيب: تقييد العلم ١٠٥.
(٣) البخاري: التاريخ الصغير ١٠٥.
(٤) الفسوي: المعرفة والتاريخ ١: ٦٤٤-٦٤٥.

<<  <   >  >>