للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

يكن لهم أن يتحولوا عن القبلة التي كانوا عليها بخبر واحد إلا وهم على علم بأن الحجة ثابتة بخبره مع كونه من أهل الصدق، فلما تحولوا من فرض إلى فرض بخبر واحد دلَّ على أن العمل بخبره فرض، وإلا لأنكر عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد علمه بتحولهم عن قبلتهم التي كانوا عليها (١) .

ففي الحديث حجة قوية على وجوب العمل بخبر الواحد، ويكفيه قوة أن اتفق على الاستدلال به هذان الإمامان.

الدليل الثاني: حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ((كنت أسقي أبا طلحة الأنصاري وأبا عبيدة بن الجراح وأبي بن كعب شراباً من فضيخ (٢) وهو تمر، فجاءهم آت فقال: إن الخمر قد حرمت، فقال أبو طلحة: قم إلى هذه الجرار فاكسرها، قال أنس: فقمت إلى مهراس (٣) لنا فضربتها بأسفله حتى انكسرت (٤) .

ووجه الاستدلال بالحديث واضح من حيث إنهم –وهم أهل مكانة في العلم والنصيحة- اعتمدوا على خبر واحد في تحريم ما كان حلالا لهم، وفي كسر الجرار إهراق ما فيها، ولم يعترض أحد منهم على خبر الواحد بالبقاء على حِلِّية الخمر حتى يشافههم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، وهم قريبون منه، كما لم ينههم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قبول خبر الواحد (٥) ،


(١) انظر الرسالة ص ٤٠٧ – ٤٠٨.
(٢) في الرسالة: من فضيخ وتمر، والفضيخ شراب يتخذ من البسر.
(٣) المهراس حجر مستطيل منقور. يُدقُّ فيه، ويُتوضأ منه.
(٤) أخرجه البخاري في أخبار الآحاد باب ما جاء في إجازة خبر الواحد ...والشافعي في الرسالة ص ٤٠٩.
(٥) انظر: الرسالة ص ٤٠٩ – ٤١٠.

<<  <   >  >>