للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فنجد خبر الواحد محتملا للكذب والغلط، ولا قطع مع هذا الاحتمال، لكن مذهبهم له مستند لم يتعرض له الأكثرون وهو أن يقال: ما صح من الأخبار فهو مقطوع بصحته لا من جهة كونه خبر الواحد... وإنما وجب أن يقطع بصحته لأمر خارج عن هذه الجهة، وهو أن الشريعة محفوظة، والمحفوظ ما لا يدخل فيه ما ليس منه، ولا يخرج عنه ما هو منه، فلو كان ما ثبت عندنا من الأخبار كذباً لدخل في الشريعة ما ليس منها، والحفظ ينفيه، والعلم بصدقه من هذه الجهة لا من جهة ذاته، فصار هذا كالإجماع" (١) .

فابن دقيق العيد في هذا النص يجعل مسألة القطع بالصحة مشتركة بين الجميع، واختلاف الجهة المأخوذ منها القطع لا يجعل الخلاف حقيقياً.

وأحسب أن ابن دقيق العيد استخلص هذا المستند من كلام مُدَوِّن فقه الظاهرية الإمام ابن حزم في كتابه "الإحكام"، فقد حام حول هذه الفكرة للدفاع عن مذهبه في إفادة خبر الواحد للعلم منطلقاً من أن الوحي محفوظ، وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وحي، وكل ما تكفل الله بحفظه فمضمون أن لا يضيع منه حرف، وأن لا يحرف منه شيء، ثم لا يعقبه بيان الضياع أو التحريف أو البطلان؛ إذ لو جاز ذلك لكان الوحي غير محفوظ، وهو محفوظ قطعاً، وما هو محفوظ لابد أن يفيد القطع والعلم اليقيني (٢) .


(١) عن البحر المحيط للزركشي ١/٢٦٤ – ٢٦٥.
(٢) انظر تفصيل الفكرة في الإحكام ١/١٠٩ وما بعدها.

<<  <   >  >>