للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

أنكر تقسيم الدين إلى ما يثبت بخبر الواحد كالأحكام، وإلى ما لا يثبت به وهو العقائد، ولعل هذا ما حاول الأستاذ القاضي برهون التعبير عنه بقوله: "ومن نظر فيما ذكرنا علم أن تقسيم الدين إلى متواتر وآحاد، وعقائد وفروع باطل" (١) لكن ما عبر عنه غير ما عبر عنه ابن القيم، والباطل الذي حكم به يحتاج إلى دليل، وإلا فما الذي دفع أميرُ المؤمنين في الحديث الإمامُ البخاريُّ إلى عقد باب بعنوان: باب ما جاء في إجازة خبر الواحد.. في صحيحه؟ فهل الدافع هو رده التفرقة بين المجالين كما يتضح من الأحاديث التي ساقها؟ وهل ذلك إقرار منه بصحة التقسيم وبِرَدِّ التفرقة بين العقائد والأحكام، كما صنع الإمام الشافعي في الرسالة؟

وادَّعى الأستاذ بعد ذلك أن تقسيم الأصوليين للحديث إلى متواتر وآحاد كان نتيجة تأثرهم بمنهج المعتزلة (٢) .

لكن كلام الشافعي – وهو رأس الأصوليين، ومن أعلام المحدِّثين – يفيد أن هذا التقسيم معروف في عهده، بدليل تكراره لمصطلح "خبر الواحد" كما سبق، وبدليل قوله: "لأن الأخبار كلما تواترت وتظاهرت كان أثبت للحجة وأطيب لنفس السامع" (٣) .

فقوله: "لأن الأخبار كلما تواترت" إقرار منه بوجود أحاديث متواترة، وإن أمكن ادعاء أن التواتر في كلامه يحتمل المعنى اللغوي بدليل


(١) خبر الواحد ص ٩٨.
(٢) خبر الواحد للقاضي برهون ص٩٧.
(٣) الرسالة ص ٤٣٣.

<<  <   >  >>