وصار من الكرامات ابتلاع الحجر والزجاج والأفاعي وتخريق الأجساد بالمسامير والسكاكين، وقامت من ذوي الكرامات حلقات للرقص والزمر والسماع يسمونها التغبير، يعنون به التهليل وترديد الصوت بالألحان في حلقة الذكر مع الضرب والتوقيع بالقضيب وغيره.
وقد فزع الإمام الشافعي من ذلك التغبير فقال ـ رضي الله عنه ـ: وخلفت في العراق شيئا يسمى التغبير وضعته الزنادقة يشغلون الناس عن القرآن.
ومع هذه الفزعة من الشافعي فإن التغبير امتد تقليده في المواضع حتى بلغ الحاج في عرفات، ولم يبطل أمره إلا في عهد صلاح الدين١.
وإثم هذا الانحراف كله عن الجادة المستقيمة واقع على اثنين: أهل الرأي الذين اغتروا بهوس العقل وتخييله فهونوا من شأن النصوص، وأضعفوا الشعور بصحة كثير من الأحاديث.
وأهل النقل الذين قصّر بعضهم في تحصيل النصوص، ولم يقصّر بعضهم ولكنهم جبنوا أن يردوا الأمة إلى حظيرة إيمانها بتكرار النصائح وتثبيت عقائد الناس السليمة باستمرار، وضرورة العناية بها في التعليم، حرصا منهم على الرزق الموصول والمنصب المرموق.
وفي غيبة العقل الراجح المستنير بأضواء الشريعة وغيبة شجاعة المستنيرين بها هامت الجماهير تتخطف من رواسب الديانات والخرافات وتقيم ما اندرس من الطقوس، وذلك إن حسنت النيات والطوايا. أو تقضي على العقائد والأخلاق والأمن والنظام إن ساءت نياتها وفسدت طواياها.
وتبدو الصلات وثيقة بين الدين والأخلاق وإن كان بعض علماء الاجتماع تصوروهما من أصلين مستقلين ولكنهما متصلان، فالديانة تؤثر في الخلق بطريق الإرشاد إلى الاعتدال والإخافة من العقاب والإطماع في الثواب،
١ - تاريخ العرب المطول: ٥٢٦ - أيام صلاح الدين: ١٢٣.