للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأعقل الحكماء لا يستطيع أن يخلص آراءه ومعتقداته من تأثير الأخلاق، ولا بد للمتدين أن يكون ذا خلق، لأنه إن كان غفلا منه فإنه يحاول أن يوفق بين غرائزه السيئة وطلب العون من السماء لإتمام منكراته فيكون بلية أسوأ من بلية العاطل من الدين والأخلاق معا.

وفقدان الأمة الإسلامية لأرضها ومعاركها كان للتعري من الخلق والدين، وليس ذلك وحسب، بل إن الفجرة الكفرة قطعوا أوصال البلدان والقرى والقبائل وسدوا منافذ الطرقات وعطلوا سبيل الحج وخربوا مراكز البريد وهونوا السطو وسفك الدماء ونهب المال. وصيروا البلاد التي كانت قلب الإسلام أكثر من غيرها تحت وطأة المفسدين والأشرار.

وليس في استطاعة أحد من أصحاب الأقلام أن يؤرخ لهذه الحقبة على التفصيل لا في البلاد الإسلامية كلها ولا في بلد إسلامي واحد، إلا ما كان من كتاب اليوميات والرحلات وتدوين الحوادث كالمقريزي والمقدسي وياقوت إذ المشاهدات متراكمة والأحداث منقضة على رؤوس الناس بغير انتظار.

ومن كتب هؤلاء وأمثالهم يظهر صدق هذا القول من وصفهم لتخريب البلاد وقتل النفوس وهياج الفتن وتكفير الناس١.

وقد صنف أبو عبد الله محمد بن العبدري الفاسي المالكي الشهير بابن الحاج كتابه "المدخل" في القرن الثامن الهجري في أربعة أجزاء كبيرة جمع فيه أنواع البدع والمفاسد والطقوس المحرمة التي عم الاعتقاد بها في البلاد الإسلامية، وهي أكثر من أن تحصى وأصعب على الشفاء من أن يصنع لها دواء٢.


١ - ظهر الإسلام ٤: ١٠٣.
٢ - انظر المدخل لابن الحاج.

<<  <   >  >>