للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ثانيهما: إخباره عن أشياء من المستقبل:

إن الزمان ثلاثة أحوال: ماض وحاضر ومستقبل، أما الماضي فعلمه ممكن من خلال دراسة التاريخ، أما الحاضر فمعرفته مبنية على المشاهدة والسماع والمعايشة. أما المستقبل فلا يمكن لأحد معرفته، إذ هو من علم الغيب، ولا يدري عنه أحد شيئاً إلا الله تعالى، أو من علمه الله جل وعلا.

وسنشير في إختصار إلى أشياء مما ذكر الله تعالى في القرآن ١من أمور المستقبل٢، التي لا يعلمها إلا من علمه العليم الخبير.

١- قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ , فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} البقرة: [٢٣-٢٤] .

فهذه الايات صريحة في التحدي - وليس هذا فقط-، بل قطعت بالعجز حتى عن المحاولة في الحاضر والمستقبل، وأنهم لا سبيل لهم إلى ذلك، وهذا الذي كان، فلم يعرف أن أحداً استطاع أن يأتي بسورة من مثل القرآن، ويصدق ذلك على أقصر سورة فيه، وهي الكوثر، وهي تتألف من عشر كلمات فقط، ولا يعني ذلك أن يزن أحد على وزنها عشر كلمات كما كان يفعل مسيلمة الكذاب، فيما قيل عنه إنه عارض سورة الفيل، فقال "ألم تر كيف فعل ربك بالحبلى أخرج منها نسمة تسعى ما بين صفاق وحشا"."٣"


"١" لقد ورد في السنة أشياء كثيرة من الاخبار بالأمور المستقبلة، مثل ما سيحدث لأهل الإسلام سواء من الصحابة أو من بعدهم، وكذلك أشراط الساعة ونحوها الشيئ الكثير مما وقع كثير منه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم"وانما قصرنا الأمثلة في هذه المباحث على القرآن الذي قصد الكلام عنه في هذه.
"٢" من الدلائل على صدق الرسول أيضاً أخبار الماضي والحاضر التي لا يعلمها من قبل، ولكنا اقتصرنا على المستقبل طلباً للإختصار،ولأن الإستدلال به أقوى من الاستدلال بالأخبار الماضية، أو الحاضرة، وانظر في ذلك: النبأ العظيم، ص٣٦ وما بعدها.
"٣" انظر: إعجاز القرآن للباقلاني ص١٧٣.

<<  <   >  >>