للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وذلك أن العقل ميزة الإنسان عن الحيوان، وهو باعث على النظر والتفكر في هذه المخلوقات، والإعجاب بها، وتعظيمها، ومن هنا أخذ العقل يفكر فيما وراء الطبيعة، وأداه عقله مع اللغة المستخدمة في الحديث عن الجمادات١ إلى صبغها بصبغة الأحياء ذوات الأرواح، مما جعله يتعبد لها ويتخذها إلها ٢.

وهناك قول ثالث في الباعث قال به دوركايم الفرنسي٣ وهو أن الحاجة الإجتماعية هي الباعث على التدين، وذلك أن المجتمعات البشرية تحتاج إلى نظم وقوانين تحفظ الحقوق وتصون الحرمات، ويؤدي كل إنسان واجبه بمراقبة داخلية، مما جعل بعض الأفذاذ وذوي القيادة يتولد في أذهانهم الدين، ويبثونه في جماعتهم، فتقبله الجماعة لحاجتها لذلك٤.

هذه الأقوال يظهر منها واضحاً إدعاء أن الدين مصدره الإنسان، وأن باعثه أمر من الأمور المتعلقة بالطبيعة حول الإنسان، أو دوافع داخلية في الإنسان.

ولا تحتاج هذه الأقوال إلى كثير عناء في إبطالها وردها، إذ أن هذه البواعث المذكورة كثيراً ما تكون غير موجودة، ومع ذلك يكون التدين ظاهراً واضحاً يصدم دعاة الإلحاد ويهدم تخرصاتهم.

ولا يعدو ما ذكر هنا من باعث التدين أن يكون تخرصا وفرضاً باطلاً، إذ أن

الحديث عن باعث التدين يحتاج إلى سبر أغوار النفس البشرية، ودراسة


١ المراد أن اللغة يعبر بها عن بعض الجمادات، وكأن لها إرادة وفيها روح كقولهم النهر يجري والشمس تطلع والمطر ينهمر ونحو ذلك.
٢ انظر "الدين" ص١١٤- كتاب "الله جل جلاله" للعقاد ص١٧.
٣ هو أميل دور كايم عالم إجتماع فرنسي توفى ١٩١٧م. انظر المنجد في الاعلام ص٢٩٠
٤ انظر "الدين" ص١٥٠ وكذلك كتاب الإنسان في ظل الأديان ص٣٩.

<<  <   >  >>