للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم يقول السهسواني:

(على أنا لو قطعنا النظر عن بحث تغاير مفهومي التوحيدين، فمطلوبنا حاصل أيضا، فإن توحيد الألوهية لا يتأتى إنكاره من أحد من المسلمين. وهو كاف لإثبات إشراك عباد القبور، فإنهم إذا دعوا غير الله رغبة ورهبة، وطلبوا منهم ما لا يقدر عليه إلا الله، ونحروا لهم، ونذروا لهم، وطافوا لهم، وحلقوا لهم، وصنعوا غير تلك من العبادات فقد عبدوا غير الله، واتخذوهم آلهة من دون الله) ١.

ثم يسوق السهسواني ما استدل به دحلان على اتحاد توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية ويعقبه بالمناقشة والجواب، فلما ادعى دحلان أن قوله تعالى: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} ٢ دليل على أن الله اكتفى من البشر بتوحيد الربوبية، لأنه لم يقل ألست بإلهكم، فكان جواب السهسواني على هذا الاستدل بما يلي:

(إن غاية ما يثبت من الآية أن الله تعالى لم يذكر في هذه الآية توحيد الألوهية، وهذا لا دلالة له بشيء من الدلالات على اتحادهما، فرب حكم يذكر في آية دون أخرى، وتوحيد الألوهية وإن لم يذكر في هذه الآية فهو مذكور في آيات أخرى، وتوجيه الاكتفاء بتوحيد الربوبية ليس منحصرا في أنهما لما كانا متحدين اكتفى بذكر أحدهما، بل هناك احتمالات أخر:

الأول: أن الإقرار بتوحيد الربوبية مع لحاظ قضية بديهية، وهي أن غير الرب لا يستحق العبادة يقتضي الإقرار بتوحيد الألوهية عند من له عقل سليم وفهم مستقيم، قال ابن كثير تحت قوله تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمْ مَنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ} ٣ الآية، يحتج تعالى على المشركين باعترافهم بوحدانية ربوبيته على وحدانية ألوهيته.

الاحتمال الثاني: أن في الآية اختصارا والمقصود: ألست بربكم وإلهكم؟ يدل عليه أثر ابن عباس: إن الله مسح صلب آدم فاستخرج منه كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة، فأخذ منهم الميثاق أن يعبدون ولا يشركوا به شيئا، وتكفل لهم بالأرزاق.. الحديث.


١ "صيانة الإنسان"، ص٤٤٩.
٢ سورة الأعراف آية: ١٧٢.
٣ سورة يونس آية: ٣١.

<<  <   >  >>