للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يَسْتَكْبِرُونَ} ١ الآية، فتبين لك أن المشركين من العرب الأول كانوا يقرون بربوبية الله تعالى، وينكرون وحدانيته تعالى في الألوهية أي العبودية، ويقولون إنكارا منهم {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} ٢ الآية.. فلأجل ذلك تنوع التوحيد بنوعين توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، فإنكار هذا إنكار الحس) ٣.

وقد أجاب القصيمي على دعاوى الدجوي، وتتبعها بالرد والنقاش، ثم أعقبها بالبراهين الدالة على خلاف تلك الدعوى ...

فلما زعم الدجوي أن المشركين كانوا ينكرون وجود الله مستدلا بما فهمه من الآيات القرآنية، مثل قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ} ٤ فأجاب القصيمي على هذا الاستدلال بعدة أوجه نذكر منها:

(الأول: ليس في الآية الكريمة إنكار للرحمن، وإنما فيها استفهام عنه "بما" التي يسأل بها عن حقيقة الشىء، والمصدق بوجود الأمر يسأل عنه، لا خلاف بين اللغويين في ذلك، فهم يقولون: ما الروح؟ كما قال تعالى: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ} ٥ وهم يؤمنون بها.. فالسؤال عن الأمر ليس إنكارا له.

الثاني: نقول هب ذلك جحودا، ولكن هل هو جحود لذاته تعالى؟ أم جحود لتسميته بالرحمن؟ هو لم يدلل على ما قال، وقد سمع العربي لفظ عقار وخندريس وكميت، من أسماء الخمر، فيقول ما العقار وما الخندريس وما الكميت؟ وهو مؤمن بها، وقد يكون شربها، ولكن يجحد تسميتها بهذا الاسم، أو يجهلها، فالاسم غير المسمى، والمدلول غير الدال.

الثالث: في خبر صلح الحديبية لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتابة "بسم الله الرحمن الرحيم" فقال سهيل بن عمرو نائب المشركين في الصلح: أما الرحمن فلا نعرفه، ولكن اكتب باسمك اللهم، فقول سهيل: لا نعرف الرحمن، ولكن اكتب باسمك اللهم. يدل على أمرين، على أنهم مؤمنون بالله، وأنهم يستعينون به في أمورهم، وعلى أن الذي ينكرونه هو وصفه بالرحمن، ولو كانوا ينكرون ذاته لعارض باسم اللهم، ولأنكر لفظ الجلالة، ولفظ الرحيم المذكورين فهذا يفسر الآية، ويوضح قولهم {وَمَا الرَّحْمَنُ} ٦.


١ سورة الصافات آية: ٣٥.
٢ سورة ص آية: ٥.
٣ "الحق المبين"، ص٣٦.
٤ سورة الفرقان آية: ٦٠.
٥ سورة الإسراء آية: ٨٥.
٦ سورة الفرقان آية: ٦٠.

<<  <   >  >>