للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

لأولئك الحجاج ينهلون من معين العلم الصافي. وقد كانت الحلقات تُدرس فيها شتى أنواع العلوم والمعرفة، من تدريس القرآن وتحفيظه وتفسيره، إلى الحديث وحفظه وشرحه، إلى الفقه والنحو والصرف والعقيدة، وغير ذلك من العلوم. وقد استمرت الحركة العلمية النشطة على هذا المنوال، من إقبال الطلاب وتعلمهم ورجوعهم إلى بلدانهم لنشر ذلك العلم الذي أخذوه. واستمرت هذه الحال إلى القرن الرابع عشر الذي نحن بصدد الحديث عنه.

يقول الشيخ محمد طاهر الكردي - رحمه الله -: ((المسجد الحرام أخرج من رجال الدين والعلم والصلاح منذ ظهور الإسلام إلى يومنا هذا - يعني القرن الرابع عشر - الشيء الكثير الوفير. وكان لهم من الشأن والبروز ما لو أطلقنا القلم لطال بنا البحث)) (١) .

والحديث عن الحياة العلمية في مكة المكرمة خلال القرن الرابع عشر متشعب ومتعدد الجوانب. يقول الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان - حفظه الله -: ((وُجِدت مكة المكرمة لتكون مركز إشعاع ديني ومعرفي على مدى الأزمان والقرون. وبطبيعة الحال فإن هذا الإشعاع يتأثر بعوامل عديدة يَقْوى حين يسود البلاد الأمن والرخاء، ويضعف إذا اختلَّ الأمن، وقست المعيشة فيها. كما أن للحالة السياسية والتشجيع من قبل الحكام وولاة الأمر دوراً فاعلاً لا يقل عن أي عامل آخر. والقرن الرابع عشر الهجري يمثل فترة زمنية سادها الأمن والرخاء فأصبح متميزاً بارزاً بين القرون)) (٢) .


(١) التاريخ القويم ٥ / ٥٢١.
(٢) الحرم الشريف الجامع والجامعة ص ٩.

<<  <   >  >>