للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فإن كان له فهم قوي وإدراك بحيث إذا نظر المسائل الخلافية ورأى أدلة كل من المختلفين، وكان فيه ذكاء وفطنة يدرك بها الراجح من المرجوح فيما يراه، عمل بما ترجح عنده.

فإذا كان طالب العلم متمذهبا بأحد المذاهب الأربعة، ثم رأى دليلا مخالفا لمذهب إمامه، وذلك الدليل قد أخذ به بعض أئمة المذاهب، ولم يعلم له معارضا، فخالف مذهبه وتبع ذلك الإمام الذي أخذ بالدليل، كان مصيبا؛ بل هذا هو الواجب عليه، ولا يخرج بذلك عن التقليد. فهو مقلد لذلك الإمام، فيجعل إماما بإزاء إمام، ويبقى له الدليل بلا معارض. قال الشيخ تقي الدين -رحمه الله تعالى-: من كان متبعا لإمام، فخالفه في بعض المسائل لقوة الدليل، أو لكون أحدهما أعلم أو أتقى، فقد أحسن.

وقال في موضع آخر: بل يجب عليه، وأن أحمد نص على ذلك. انتهى. وعلى كل حال فلا ينبغي التسرع والجسرة بقول: هذا حلال، هذا حرام، هذا واجب، قال الله -تعالى-: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} ١.

فمن عرف أحوال السلف وهيبتهم الإفتاء مع علمهم وفضلهم، أفاده ذلك اتهام فهمه، وعدم التسرع إلى الفتوى؛ لأنه يخبر عن الله، والمقلد إنما يحكي عن غيره.

فالأولى إذا دعت الضرورة إلى فتواه أن يقول: ذكر أصحاب المذهب الفلاني، أو ذكر في الكتاب الفلاني كذا وكذا.

نهي الأئمة عن التقليد

وأما قول القائل: قد اختار هذه الكتب وما حوته مَنْ هو أعلم منا.

(فيقال) له: هذا حق، هم أعلم منا، لكن لا يلزم من ذلك تقليدهم في كل ما وضعوه.

فإذا قال كل أهل مذهب هذه المقالة في كتب من تقدمهم، فالمصيب عند الله واحد، فمن هو الذي يجب اتباعه؟ فإذا اختلفت المذاهب


١ سورة النحل آية: ١١٦.

<<  <   >  >>