يقول: ومن جعل معروفة ذابًّا ذم الرجال عن عرضه، وجعل إحسانه واقيًا عرضه وفر مكارمه، ومن لا يتق شتم الناس إياه شُتِم؛ يريد أن من بذل معروفه صان عرضه، ومن بخل معروفه عرَّض عرضه للذم والشتم. وفَرت الشيء أفِره وفرًا: أكثرته، ووفرته فوفر وفورًا.
يقول: من كان ذا فضل ومال فبخل به استغني عنه وذم، فأظهر التضعيف على لغة أهل الحجاز؛ لأن لغتهم إظهار التضعيف في محل الجزم والبناء على الوقف.
٥٢-
وَمَن يُوفِ لا يُذَمَم وَمَن يُهْدَ قلبُه ... إلى مُطمَئِنّ البِرّ لا يَتَجَمْجَمِ
وفيت بالعهد أفي به وفاء وأوفيت به إيفاء، لغتان جيدتان والثانية أجودهما؛ لأنها لغة القرآن قال الله تعالى:{وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُم}[البقرة: ٤٠] ويقال: هديته الطريق وهديته إلى الطريق وهديته للطريق.
يقول: ومن أوفى بعهده لم يلحقه ذم، ومن هدي قلبه إلى بر يطمئن القلب إلى حسنه ويسكن إلى وقوعه موقعه، لم يتتعتع١ في إسدائه وإيلائه.
يقول: ومن وضع أياديه في غير من استحقها، أي من أحسن إلى من لم يكن أهلًا للإحسان إليه والامتنان عليه، ذمَّه الذي أُحسن إليه ولم يحمده، وندم المحسن الواضع إحسانه في غير موضعه.