للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قاصدين أرض نجران؛ لأن جوّاب بن عوف زعيم بني أبي بكر بن كلاب حكم عليهم بالنفي، وفي هذه الحادثة نسمع ليبدًا يتهكم بجوّاب ويسخر من حكمه، ويستغرب نفي بني جعفر:

أَبَنِي كلابٍ كيف تُنْفَى جَعْفَرٌ ... وَبَنُو ضبينةَ حاضِرُو الأحبَابِ

قال الأصمعي: وفدَ عامر بن مالك مُلاعبُ الأسنة -وكان يكنّي أبا البراء- في رهط من بني جعفر ومعه لبيد بن ربيعة ومالك بن جعفر، وعامر بن مالك عمّ لبيد، على النعمان، فوجدوا عنده الربيع بن زياد العبسي -وأمّه فاطمة بنت الْخُرْشُبِ الأنمارية- وكان الربيع نديْمًا للنعمان مع رجل من تجار أهل الشام يقال له: زرجون بن توفيل وكان حَرِيفًا للنعمان يبايعه، وكان أديبًا حسن الحديث والنَدام، واستخفّه النعمان فكان إذا أراد أن يخلوَ على شرابه بعث إليه، وإلى النطاسي، مُتَطَبِّبٍ كان له، وإلى الربيع بن زياد، فخلا بهم، فلمّا قدم الجعفريون كان يَحْضُرُون النعمان لحاجتهم فإذا خرجوا من عنده خلا بهم الربيع فطعن فيهم، وذكر معايبهم، وكانوا بنو جعفر له أعداء، فلم يزل بالنعمان حتى صده عنهم، فدخلوا عليه يومًا فرأوا منه جفاء، وقد كان يكرمهم ويقرّبهم، فخرجوا غضابًا ولبيد متخلف في رحالهم يحفظ متاعهم ويغدو بإبلهم كل صباح فيرعاها فإذا أمسى انصرف بالإبل، فأتاهم ذات ليلة وهم يتذاكرون أمر الربيع، فسألهم عنه فكتموه، فقال: والله لا حفظت لكم متاعًا ولا سرحت لكم بعيرًا أو تخبروني فيمَ أنتمْ، وكانت أمّ لبيد يتيمة في حجر الربيع، فقالوا: خالك قد غلبنا على الْمَلِك وصد عنا وجهه، قال لبيد: فهل تقدرون على أن تجمعوا بيني وبينه فأزجره عنكم بقول مُمِضٍّ مؤلم لا يلتفت إليه النعمان بعده أبدًا؟ قالوا: وهل عندك شيء؟ قال: نعم، قالوا: فإنا نبلوك، قال: وما ذاك؟ قالوا: تشتم هذه البقلة، وقدَّامهم بقلة دقيقة القضبان، قليلة الورق، لاصقة فرعًا، بالأرض تُدعى التَّرَبَة، فقال: هذه التَّرَبَةُ التي لا تذكي نارًا، ولا تؤهل دارًا، ولا تسّر جارًا، عودها ضئيل، وفرعها كليل، وخيرها قليل، أقبح البقول مَرعَى، وأقصرها فرعًا، وأشدّها قلعًا، بلدها شاسع، وآكلها جائع، والمقيم عليها قانع، فأَلْقَوْا بي أخا عَبْس، أرده عنكم بتَعْس، وأتركه من أمره في لَبْس. قالوا: نصبح ونرى رأينا في أمرك، فقال عامر: انظروا إلى غلامكم هذا، يعني لبيدًا، فإن رأيتموه نائمًا فليس أمره بشيء إنما هو يتكلم بما جاء

<<  <   >  >>