للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والصفات الكريمة التي يتصف بها خيار الناس والفرسان. وكانت غايته من حديثه عن الأخلاق رسم صورة خلقية كاملة تغطي بإشراقها في ظل العبودية والرق. فكانت البطولة جزءًا من الفروسية والرجولة الحقة تزينها الأخلاق العربية الأصيلة من صبر ونجدة وكرم وعفة ورقة وقسوة. ومع أن عنترة حاول تغطية عقدة النقص في نسبة فإنه كان لديه الاستعداد النفسي التام لتجسيد فكرة الأخلاق الكريمة والتغني بها والدفاع عنها:

وإذا شربت فإنني مستهلك ... مالي وعرضي وافر لم يكلم

وإذا صحوت فما أقصر عن ندىً ... وكما علمتِ شمائلي وتكرّمي

وهو صبور يتحمل المكاره حين يسيطر الضعف على الناس وتلعب بهم رياح الاستسلام:

وعرفت أنّ منيتي إنْ تأتني ... لا ينجني منها الفرار الأسرع

أمّا فكرة التعفف فهي ظاهرة في شعره، وحين يظن المقاتل أن غاية القتال هي الكسب والربح نرى عنترة يرتفع عن هذه المعاني ليبقى قتاله للقتال وبطولته للبطولة وحربه للحرب، أما الغنائم فذاك أمر يتركه لسواه:

يخبرك من شهد الوقيعة أنني ... أغشى الوغى وأعف عند المغنم

وقد تميز شعر عنترة بما تميز به الشعر العربي عمومًا من وقوف على الأطلال ذلك أن هذه الظاهرة هي التعبير الصادق عن حنين الشاعر وعن عاطفته. فما الأطلال إلا تلك المواطن التي عاش فيها الشاعر أو مر بها أو حدثت معه فيها حادثة هزت قلبه أو عصفت بوجدانه. والحديث عن الأطلال يقودنا إلى الكلام عن الغزل عند عنترة الذي هو غزل عذري يعني بالمرأة من خلقها وصفاتها ويعني بها كمثال كما يهدف إلى التغني بجمال نفسها:

وقال لها البدر المنير ألا اسفري ... فإنك مثلي في الكمال وفي السّعْدِ

والغزل العذري أمر طبيعي عند عنترة ينسجم مع توجهه الخلقي الذي أشرنا إليه والذي يطالع الديوان يجد أنه يكاد يخلو من وصف الجمال الجسدي إلا في أبيات

<<  <   >  >>