للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

أـ الفرق التي ضلّت في باب القدر:

وقد ضل في هذا الباب فرق ثلاث: المجوسية والمشركية والإبليسية، وتفصيل هذه الفرق كما يلي:

• الأولى ـ المجوسية: وهم الذين أنكروا القدر وأقروا بالشرع وهم: غلاة أنكروا مرتبتي العلم والكتابة كمعبد الجهني، ومقتصدون أنكروا عموم مرتبتي الخلق والمشيئة، وهم المعتزلة ومن وافقهم من الشيعة، وسُموا بذلك لأنهم أثبتوا خالقاً غير الله وهو العبد؛ حيث زعموا أنه خالق لفعله.

• الثانية ـ المشركية: الذين أقروا بالقدر ولكنهم غلوا فيه حتى أنكروا الأمر والنهي فصادموا الشرع بالقدر، وسُموا بذلك لأنهم احتجوا على تعطيل الشرع بالقدر، كما قال المشركون فيما حكى الله عنهم: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: ١٤٨] ، وهذا حال كثير ممن يدعى الحقيقة الكونية ويفنى في الربوبية حتى الصوفية.

• الثالثة ـ الإبليسية: وهم الذين أقروا بالأمرين ـ الشرع والقدر ـ ولكنهم جعلوا هذا تناقضاً وطعنوا في حكمة الله تعالى وعدله، قال تعالى عن إبليس: {أنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف: ١٢] ، وكذلك قوله: {أأسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا} [الإسراء: ٦١] ، فهنا أقر إبليس بخلق الله تعالى وقدرته، وكذلك أقر بشرعه، ولكنه طعن في حكمة الله وعدله؛ لأنه أمره بالسجود لمن هو دونه بزعمه.

ب ـ مخالفة من ينظر إلى القدر دون الشرع للحس والعقل:

من ينظر إلى تقدير الله وخلقه الأشياء وتدبيره، دون أن ينظر على أوامر الله ونواهيه: يسقط تمييزهم؛ لوقوفهم عند الحقيقة الكونية، فهم مخالفون للحس والعقل. أمال مخالفتهم للحس فإنه لابد لكل إنسان من أن يشعر بما يسعده أو يؤذيه ولابد أن يميز بين ما يأكله وما لا يأكله، وبين الحر والبرد، فكيف لا يُميَّز الأوامر والنواهي؟! فلا يمكن تصور زوال الإحساس، ولا يستوي الأمران مع وجود الحياة.

<<  <   >  >>