كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [الذاريات: ٤٩] ، أي فتعلمون أن خالق الأزواج واحد.
ولهذا من قال: إن الله لا يصدر عنه إلا واحد؛ لأن الواحد لا يصدر عنه إلا واحدا؛ كان جاهلاً، فإنه ليس في الوجود واحد صدر عنه وحده شيء، لا واحد ولا اثنا، إلا الله خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون، فالنار التي جعل الله فيها حرارة، لا يحصل الإحراق إلا بها وبمحل الاحتراق، فإذا وقعت على السمندل والياقوت ونحوهما لم تحرقهما، وقد يُطلى الجسم بما يمنع إحراقه، والشمس التي يكون عنها الشعاع لابد من جسم يقبل انعكاس الشعاع عليه، وإذا حصل حاجز من سحاب أو سقف لم يحصل الشعاع تحته، وقد بسط هذا في غير هذا الموضع.
والمقصود هنا أنه لابدّ من الإيمان بالقدر، فإن الأيمان بالقدر من تمام التوحيد كما قال ابن عباس رضي الله عنهما: هو نظام التوحيد، فمن وحَّد الله وآمن بالقدر تَمَّ توحيده، ومن وحَّد الله وكذب بالقدر نقض تكذيبه توحيده.
ولا بدّ من الإيمان بالشرع، وهو الإيمان بالأمر والنهي، والوعد والوعيد، كما بعث الله بذلك رسله وأنزل كتبه.
والإنسان مضطر إلى شرع في حياته الدنيا، فإنه لا بد له من حركة يجلب بها منفعته، وحركة يدفع بها مضرته، والشرع هو الذي يمييز بين الأفعال التي تنفعه، والأفعال التي تضره، وهو عدل الله في خلقه، ونوره بين عباده، فلا يُمَكِّن الآدميين أن يعيشوا بلا شرع يميّزون به بين ما يفعلونه ويتركون.
وليس المراد بالشرع مجرد العدل بين الناس في معاملاتهم، بل الإنسان المنفرد لابد له من فعل وترك، فإن الإنسان همّام حارث، كما قال