إذا ثبت ذلك فالاستغاثة بالأنبياء يوم القيامة يريدون منهم أن يدعوا الله أن يحاسب الناس حتى يستريح أهل الجنة من كرب الموقف، وهذا جائز في الدنيا والآخرة؛ أن تأتي عند رجل صالح حي يجالسك ويسمع كلامك وتقول له ادعُ الله لي. كما كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه في حياته. وأما بعد موته فحاشا وكلا أنهم سألوه ذلك عند قبره؛ بل أنكر السلف على من قصد دعاء الله عند قبره فكيف بدعاؤه نفسه.
ــ
منه هدايةَ القلوب؛ أو رفع جبل ونحوه، وهذا كله استغاثة شركية وكلها أنكرناها؛ فمن سوَّى بينهما فقد سوى بين المتضادين وسوى بين المختلفين، فهو نظير التفريق بين المتماثلين؛ فإن الاستغاثة بالميت شرك أصلاً لكونه فاقد الحراك ولا يدري ولا يقدر، والاستغاثة بالغائب أيضاً شرك لكونه لا يسمع ولا يدري، والاستغاثة بالحي الحاضر فيها تفصيل؛ فإن كان فيما لا يقدر عليه كرد البصر بغير أمر طبي أو هداية القلب بغير الإرشاد والحجة أو نحو ذلك فهذا كله شرك أن يفعل بِسرِّه –أي بألوهيته- شيئاً من ذلك؛ فإن هذا لا يقدر عليه إلا الله، والاستغاثة بالحي الحاضر القادر أمر فطري ضروري معلوم بالشرع والحس والاستعمال؛ فإن الإنسان مدني محتاج إلى بني جنسه ومساعدتهم في جميع معاشه واتصالاته وهكذا كل حياة العالم على هذا.
(إذا ثبت ذلك) أي إذا تقرر ما تقدم وهو الفرق بين الاستغاثتين؛ الاستغاثة الشركية التي انكرناها، والجائزة، أن التي أنكرناها استغاثة