والعمل (من جهتين: الأولى قوله: {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ} فلم يستثن الله تعالى إلا المكره، ومعلوم أن الإنسان لا يكره) لا يتصور في حقه الإكراه إلا بهذين الأمرين (إلا على العمل أو الكلام، وأما عقيدة القلب فلا يكره أحد عليها) فإذا فعل وصدر منه الكفر فإنه كافر بعد إيمانه (والثانية) تقدم قول المصنف أنها تدل على ما قرره من جهتين وتقدمت الجهة الأولى وهذه الثانية (قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا} ) الباء للسبب، يعني ذلك بسبب محبتهم {الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ} ١ يعني الجنة (فصرَّح أن هذا الكفر والعذاب) المحكوم به عليهم في هذه الآية والمترتِّب على ما صدر منهم (لم يكن بسبب الاعتقاد أو الجهل أو البغض للدين أو محبة الكفر، وإنما سببه) أي صدور الكفر منه، أنه تكلم بالكفر لسبب وهو أن له في التكلم بالكفر شيئاً واحداً، وهو (أن له في ذلك حظاً من حظوظ الدنيا) يحصل له فيرتكب هذا المحظور لأجل أنه لا يحصل له مطلوبه إلا -والعياذ بالله- بإيثار الحياة الدنيا (فآثره على الدين) على الآخرة.
فالإنسان الذي يُلجِئُه من يُلجِئُه إلى أن يصدر منه الكفر له حالات:
أحدها: أن يمتنع ويصبر عليها، فهذه أفضل الحالات.
الثانية: أن ينطق بلسانه مع اعتقاد جنانه الإيمان، فهذا جائز له تخفيف ورحمة.